نظرية الحضارة في الإسلام ومعناها
تمثل الحضارة الإسلامية نموذجًا متجددًا يمكن الاستفادة منه في الحاضر والمستقبل، إذ تجمع بين القيم الروحية والتقدم المادي، وتدعو إلى التوازن بين الفرد والمجتمع في الحقوق والواجبات.
مفهوم الحضارة
والحضارة في اللغة تعني الإقامة في الحضر، وهي المدن والقرى والريف، بخلاف البادية، والحضارة ايضًا: مظاهر الرقي العلمي والفني والاجتماعي في الحضر، وبصورة أعم: مظاهر التقدم المادي والتقني والفني والعلمي إلى آخره.
وقد لوحظ أن هناك تداخلًا كبيرًا في تناول الفكر الغربي لمفهوم كلمة "Civilization" التي ترجمت في اللغة العربية إلى "حضارة" و"مدنية" ، مع ملاحظة أن لكل لغة عقلها وإطارها الفكري الذي يعطي لمفاهيمها دلالات وظلالًا، لا يمكن أن تتطابق مع لغة أخرى، فهناك من جعل المفهوم مرادفًا لمفهوم كلمة Culture التي تعني "ثقافة"، وهناك من جعله قاصرًا على نواحي التقدم المادي من آلات واختراعات ومؤسسات إلى أخره.
وهناك من جعله شاملًا لكل أبعاد التقدم، المادي والمعنوي والروحي، وهناك من قصر المفهوم على نواحي التقدم الخاصة بالفرد، وهناك من رأى أنها تشمل الفرد والجماعة، وهناك من رأى انها مفهوم عالمي، أي أن هناك دائمًا مفهومًا حضاريًا واحدًا "الحضارة" واحدة من "الحضارة الإنسانية"، وأن كل المجتمعات أسهمت، أو تسهم، فيها بنصيب ما يختلف باختلاف الزمان والمكان، أما "الثقافة" فهي خاصة بكل فرد أو شعب وتعكس هويته التي تميزه عن غيره، وهناك من رأى عكس ذلك.
مصطلح الحضارة
ومفهوم الحضارة الذي ينطبق على خبرة الإسلام، ويستند إلى أحد الاستخدامات التي ذكرها ابن منظور في "لسان العرب" لمادة "حضر" بمعنى "شهد"، يفيد الحضور كنقيض للمغيب والغيبة، وبهذا تكون الحضارة هي الحضور والشهادة بجميع معانيها التي ينتج عنها نموذج إنساني يستبطن قيم التوحيد والربوبية، وينطلق منها كبعد غيبي يتعلق بوحدانية خالق الكون وواضع نواميسه وسننه والمتحكم في تسييره ومصيره.
ودور الإنسان ورسالته هو تحقيق الخلافة عن خالق هذا الكون بتعمير الأرض وتحسينها، وترقية الحياة عليها، وتزجية معاش الناس فيها، وتحقيق تمام التمكين عليها والانتفاع بخيراتها، وحمن التعامل مع المسخرات في الكون، وبناء علاقة سلام معها: لأنها مخلوقات تسبح بحمد الله، أو رزق لابد من حفظه وصيانته، كذلك إقامة علاقة مع بني الإنسان في كل مكان على ظهر الأرض، أساسها الأخوة والألفة وحب الخير، والدعوة إلى كل ما يحقق سعادة الدنيا والآخرة”.
والجدير بالذكر أن مفهوم "الحضارة" ذو صلة ايضًا بمصطلحات مستحدثة من قبيل "التقدم" و"النهضة" و"التنمية الشاملة"، وغيرها، وهي مصطلحات تمثل قضية العصر للإنسان المعاصر، وخاصة في الدول النامية التي يزيد عدد سكانها عن ٨٠% من مجموع سكان العالم.



