رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

"معلومات الوزراء" يستعرض آفاق صناعية التجربة الألمانية في مجال الهيدروجين الأخضر

بوابة الوفد الإلكترونية

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عددًا جديدًا من مجلته "آفاق صناعية" والذي تضمن مجموعة من المقالات في مجال الصناعة، تناولت إحداها تجربة ألمانيا في مجال صناعة الهيدروجين الأخضر والذي جاء تحت عنوان "ألمانيا في طليعة التحول الطاقوي: ريادة عالمية في صناعة الهيدروجين الأخضر"، حيث يسعى المركز إلى تتبع التجارب العالمية الناجحة في مختلف المجالات، وتقديم رؤية متكاملة حولها، للاستفادة منها على الصعيد المحلي.

أوضح المقال أن ألمانيا تمضي بخطوات حثيثة نحو مستقبل طاقي جديد تشكله صناعة الهيدروجين الأخضر، باعتباره وقود الابتكار والتنمية المستدامة، فمنذ إطلاقها الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين عام 2020، سعت برلين لأن تصبح لاعبًا رائدًا عالميًا في تقنيات الهيدروجين الخضراء، ليس كمستهلك فحسب بل كمبتكر ومصدر تكنولوجي.

ولترجمة هذا الهدف على أرض الواقع اتبعت ألمانيا مسارات متعددة تضمنت الاستثمار في البحث والتطوير، وتبسيط الأطر التنظيمية لتشجيع استثمارات القطاع الخاص، فضلًا عن توفير التمويل اللازم للاستثمار في البنية التحتية اللازمة، سواء في محطات التحليل الكهربائي أو شبكات النقل والتخزين، وكذلك دعم برامج البحث والتطوير لتسريع الابتكار التكنولوجي، وسعت من خلال هذه الجهود إلى خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتعزيز أمنها الطاقي في ظل التحولات الجيوسياسية، وتمثل التحدي الأكبر في محدودية قدرات إنتاج الطاقة المتجددة محليًا ما دفع الحكومة إلى تبني مقاربة مزدوجة تقوم على تطوير الإنتاج المحلي بالتوازي مع عقد شراكات دولية لاستيراد الهيدروجين الأخضر من دول تتمتع بموارد طاقة متجددة.

وتناول المقال احتضان ألمانيا لمؤسسات متنوعة من القطاعين العام والخاص، لعبت دورًا محوريًا في تطوير تكنولوجيا الهيدروجين، حيث سجلت نحو 12% من براءات الاختراع العالمية المتعلقة بإنتاج طاقة الهيدروجين لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 2022 أنتجت ألمانيا نحو 2200 كيلو طن من الهيدروجين (2.2 مليون طن متري)، متفوقًة على أي دولة في الاتحاد الأوروبي، وكما هو الحال في معظم الدول يُنتج معظم الهيدروجين في ألمانيا عن طريق تحويل الميثان بالبخار، مع ذلك والتزامًا منها بأهداف المناخ التزمت ألمانيا بتوسيع قطاع الهيدروجين الأخضر، وبالفعل احتلت البلاد سادس أكبر قدرة إنتاج للهيدروجين الأخضر في عام 2023، كما تمتلك خطط طموحة الإنتاج ما يقرب من 95 كيلو طن من الهيدروجين القائم على التحليل الكهربائي (95 ألف طن متري) سنويًا.

وللتوسع في الهيدروجين الأخضر أصدرت الحكومة "الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين" لأول مرة عام 2020، وقد حددت الاستراتيجية هدفًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر يبلغ 5 جيجا واط بحلول عام 2030، مع إضافة 5 جيجا واط أخرى بين عامي 2035 و2040، وبحلول عام 2023 قامت برلين بتحديث الاستراتيجية حيث وضعت مسارًا واضحًا لتوسيع دور الهيدروجين الأخضر في إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة والنقل والكيماويات، ووفقًا للاستراتيجية المحدثة فبحلول عام 2030 تستهدف ألمانيا الوصول إلى قدرة 10 جيجا واط من أجهزة التحليل الكهربائي لتوليد الهيدروجين الأخضر، وقد خططت الحكومة أيضًا لإطلاق استراتيجية إضافية لاستيراد الهيدروجين ومشتقاته في عام 2023.

وتهدف الاستراتيجية إلى إنشاء 1800 كيلومتر من خطوط الأنابيب الجديدة والمجددة لشبكة توليد الطاقة الهيدروجينية في ألمانيا بحلول عامي 2027 و2028، وفي السياق ذاته أقرت ألمانيا قانون تسريع الهيدروجين في مايو 2024 والذي يسمح ببناء مرافق استيراد وإنتاج الهيدروجين من خلال منحه الأولوية في عملية الموافقة، كما سيختصر هذا القانون إجراءات الحصول على التصريحات لمشروعات الهيدروجين، ويُسرع البت في القضايا القانونية عند الطعن فيها أمام المحاكم.

وكذلك وضعت ألمانيا برنامج ابتكار التقنيات الهيدروجين حيث وضعت الوزارة الاتحادية للنقل والبنية التحتية الرقمية (BMVI) خطة مشتركة بين الوزارات تركز على استمرارية البحث والتطوير، وتعنى بتوفير الدعم اللازم لتنشيط سوق المنتجات الأولى، يدعم البرنامج (البرنامج الوطني للابتكار في تكنولوجيا خلايا الوقود والهيدروجين) تنشيط سوق المنتجات التي بلغت مرحلة النضح التقني، ولكنها لم تصل بعد إلى القدرة التنافسية تمهيدًا لتنشيط السوق، على صعيد البنية التحتية اعتمدت "هيئة تنظيم الشبكات الفيدرالية" (Bundesnetzagenture) في أكتوبر 2024 "شبكة الهيدروجين الأساسية" (Wasserstoffkernnetz) كعمود فقري وطني للنقل بطول تقريبي 9040 كيلومترًا (مع تحويل نحو 60% من خطوط الغاز القائمة إلى هيدروجين) واستثمارات مقدرة بنحو 18.9 مليار يورو، وكذلك وافقت المفوضية الأوروبية في يونيو 2024 على حزمة دعم ألمانية تُقدر بنحو 3 مليارات يورو لضمان الجدوى الائتمانية في سنوات التشغيل الأولى، وعلى صعيد التمويل قدمت الحكومة الألمانية التمويل العام لدعم مشروعات الهيدروجين الأخضر ففي يناير 2022 أعلنت الوزارة الاتحادية الألمانية للتعليم والبحث أن ثلاثة مشروعات رائدة في مجال الهيدروجين ستحصل على تمويل إجمالي يصل إلى 740 مليون يورو.

وأشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خلال المقال إلى جهود برلين لتعزيز تنافسية الهيدروجين الأخضر، حيث أوضح أنه بالرغم من الجهود المبذولة في تعزيز صناعة الهيدروجين الأخضر وتطوير البنية التحتية اللازمة، فالواقع يشير إلى أن تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين الأخضر في ألمانيا ما زالت مرتفعة إلى حد ما؛ حيث تتراوح بين 3 و7 يورو/ كجم، وهي تكلفة مرتفعة مقارنة بتكلفة الهيدروجين الرمادي (المنتج من الغاز الطبيعي) والذي تتراوح تكلفته بين 1و2 يورو/ كجم، هذا الفارق في الأسعار يعكس التحدي الأساسي أمام التوسع في السوق حيث لن تتحمل الصناعة على المدى القريب دفع ضعف التكلفة تقريبًا إلا بوجود دعم حكومي يغطي الفجوة، ويعود السبب الرئيس وراء ارتفاع تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى ارتفاع سعر الكهرباء المتجددة في ألمانيا مقارنًة بمناطق مثل إسبانيا أو شمال إفريقيا، بالإضافة إلى محدودية عدد ساعات تشغيل المحللات الكهربائية بكفاءة مرتفعة، وفي هذا السياق رأت الحكومة الألمانية أن برامج الدعم المالي شرطًا مسبقًا لبناء سوق تنافسية للهيدروجين الأخضر في البلاد، وتبنت بالفعل مجموعة من البرامج والسياسات التي من شأنها خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر ومن بينها:

-برنامج (H2Global): يمثل هذا البرنامج آلية ألمانية رائدة لتسريع إدخال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته إلى السوق، وهو يقوم على نموذج المزاد المزدوج حيث تبرم عقود شراء طويلة الأجل مع المنتجين في الخارج لتأمين الكميات بأسعار محددة، ثم يُعاد بيع هذه الكميات عبر مزادات قصيرة الأجل في السوق الأوروبية، أما الفرق بين السعرين فتدفعه الحكومة الألمانية من خلال صندوق تمويلي.

-عقود الكربون مقابل الفارق (CCFD): سيغطي برنامج عقود الكربون مقابل الفارق كلًا من تكاليف الاستثمار والتشغيل على مدار فترة 15 عامًا، سيوفر هذا للشركات التنبؤ اللازم لبناء المنشآت الصناعية الكبيرة، وسيسمح للمستثمرين الخاصين بالمشاركة في تمويل الاستثمارات الحكومية.

-مشروعات (IPCEI) الأوروبية: تمثل هذه المشروعات آلية أوروبية تسمح للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتمويل مشروعات ضخمة في مجالات استراتيجية بمبالغ ضخمة من الدعم الحكومي، وتؤدي ألمانيا دورًا رياديًا في هذه المشروعات حيث تشير البيانات إلى أنه في عام 2024، وافقت المفوضية الأوروبية على تمويل 24 مشروعًا ألمانيًا كجزء من برنامج المشروعات المهمة ذات المصلحة الأوروبية المشتركة (IPCEI) للهيدروجين.

وأوضح المقال أنه إلى جانب السياسات الوطنية وآليات التمويل سعت ألمانيا إلى بناء تحالفات ثنائية ومتعددة الأطراف مع شركاء في أوروبا وإفريقيا وأستراليا لتأمين إمدادات مستقرة من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، ومن أبرز شراكاتها في هذا الإطار:

-أوروبا (النرويج وهولندا): بدأت ألمانيا شراكات استراتيجية مع الترويج التي تمتلك إمكانات كبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الرياح البحرية، وتضمنت الخطط إنشاء خط أنابيب مباشر يربط الترويج بألمانيا لنقل كميات ضخمة من الهيدروجين، مع ذلك ففي منتصف 2024 أعلنت أوسلو إلغاء أحد المشروعات الرئيسة بسبب ارتفاع التكاليف وعدم وجود التزامات شراء طويلة الأجل، أما مع هولندا فيأخذ التعاون شكلًا أكثر عملية وواقعية إذ تركز الشراكة على مواني الاستيراد المشتركة مثل "روتردام" وربطها بالشبكات الداخلية الألمانية عبر المبادرة الأوروبية لخطوط أنابيب الهيدروجين (European Hydrogen Backbone)؛ وذلك بهدف خلق سوق أوروبية موحدة تسمح بتدفق الهيدروجين بسهولة بين الدول.

-شمال إفريقيا (المغرب ومصر): تحركت ألمانيا لتأمين شراكات طويلة الأجل في شمال إفريقيا مع دول تملك موارد متجددة ضخمة وأسعار إنتاج تنافسية، ففي المغرب وقعت عدة اتفاقيات للتعاون في تطوير مشروعات للهيدروجين والأمونيا الخضراء، ولا تهدف هذه الشراكات لتأمين الواردات الألمانية فقط بل أيضًا لدعم التنمية الاقتصادية المحلية، أما مع مصر فقد انتقلت العلاقات من مستوى الاتفاقيات إلى عقد تجاري فعلي ففي يوليو 2024 فازت شركة (Fertiglobe) بعقد طويل الأجل عبر برنامج (H2Global) لتوريد 259 ألف طن متري من الأمونيا الخضراء إلى ألمانيا خلال الفترة 2027- 2033، وهذا العقد يعد الأول من نوعه ويبرهن على أن ألمانيا تتحرك نحو التنفيذ التجاري المباشر.

-أفريقيا جنوب الصحراء (ناميبيا): برزت ناميبيا كأحد أبرز شركاء ألمانيا في إفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ دعمت برلين مشروعات لإنتاج ملايين الأطنان من الهيدروجين الأخضر اعتمادًا على موارد الطاقة الشمسية والرياح المتاحة في البلاد، وتهدف هذه المشروعات إلى التصدير بشكل أساسي، لكن ألمانيا تقدمها أيضًا كنموذج للتنمية المشتركة حيث يجمع المشروع بين الاستثمار الصناعي، وتأمين الإمدادات المستقبلية لألمانيا.

-آسيا وأوقيانوسيا (أستراليا): اتجهت ألمانيا أيضًا نحو أستراليا التي تضع نصب عينيها أن تصبح قوة عظمى للهيدروجين الأخضر بفضل مواردها الضخمة من الطاقة الشمسية والرياح، وقد تم توقيع مذكرات تفاهم بين شركات ألمانية وأسترالية لتطوير إنتاج الأمونيا الخضراء وتصديرها إلى أوروبا، وهكذا تمثل جهود ألمانيا في الهيدروجين الأخضر خطوة مهمة نحو تعزيز تحولها الطاقوي، مع إسهام متنامٍ في تشكيل مستقبل طاقة أكثر استدامة عالميًا.