أصل الإنسان وقصة الخلق الأول في القرآن الكريم
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن اللهُ سبحانه وتعالى بيَّنَ لنا في القرآن الكريم مرارًا قصةَ الخلقِ الأوّل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2].
أصل الإنسان وقصة الخلق الأول
وأوضح فضيلته أن في ذلك حكمةٌ؛ إذ يريد أن يبيّن لنا «أصلَ الإنسان» أنه كان من ماءٍ وترابٍ، فهو من «طين»، ولذلك فهو مركَّبٌ من «جسدٍ» له مطالبُ المادة، ومن «روحٍ» نفخ اللهُ فيه من روحه، ومن «قدَرٍ» قدَّره الله لهذا الإنسان: قدَّر له أسبابَ السعادة والشقاء، والخيرَ والشرَّ، والتكليفَ والتشريف.
وأضاف فضيلة الدكتور علي جمعة أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقرر لنا هذه الحقيقة مرةً بعد مرةٍ حتى تستقر في الوجدان والأذهان؛ لأنّه سيُبنى عليها أشياءُ أخرى في الحياة: سيُبنى عليها صراعٌ بين الخير والشر، وبين الإنسان ونفسِه الأمّارة بالسوء التي تدعوه إلى الكِبر والتفاخر. فهذه العقيدة تساعده على ضبط النفس، وعلى أن يتواضع لربه، وعلى أن يعلم أنه حادثٌ وليس بقديم، وأنه منتهٍ، وأن موتًا سيأتيه؛ ولذلك لا يتكبر، بل يتذكر ما أمره به ربُّه، ويستحضر وصيةَ النبي ﷺ: «كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (صحيح البخاري).
ويفيدك هذا أن تتذكر دائمًا أنك من هذه الأرض، فلا تُفسد هذه الأرض؛ فكأن الأرض أمٌّ لنا لأننا منها، فيجب أن تكون علاقتُنا بها علاقةَ الابن بأمِّه، لا علاقةَ المفسد المستغِلِّ المستهلِك.
أصل الإنسان
وأشار فضيلته إلى أن حقيقةُ إن الإنسان خلق من طينٍ توجب علينا أن نسمو، وألا نترك أنفسنا لشهواتنا الحيوانية، وألا ننحدر بأخلاقنا حتى نكون أضلَّ سبيلًا من الحيوان في بعض تصرفاتنا، إذن فالتفكيرُ في “الطينية” هنا تذكيرٌ بمعانٍ كثيرة: مفهوم الخير والشر، والحق والباطل، والتكليف والتشريف، والسير إلى مدارج الروح لا مدارج الجسد.
وأكد فضيلته أن هذه الطينية تُذكّر بالموت؛ لأن الطين هشٌّ، ولذلك إذا دُفن الإنسان صار جسده ترابًا، ثم يمتزج بالأرض مرةً أخرى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]. وعندما يُخرجنا الله سبحانه وتعالى تارةً أخرى يخرجنا خلقًا جديدًا ليس كهذا الخلق الذي نحن فيه الآن.
وقوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: 2] يدل على أجلٍ مسمّى عند الله (في علمه)، ومع ذلك {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2]؛ مع أنكم تشاهدون أطوارَ الخلق: يولد الإنسان، ثم يعيش، ثم يموت، ثم يعود إلى الأرض، ويتحول إلى ترابٍ ويمتزج بها، ومع ذلك يتشكك في البعث، وفي الخلق، وفي الخالق، وفي التكليف.