رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

لقد دقت واقعة اكتشاف ما يربو على 15 ألف شهادة دكتوراه مزورة في إحدى الدول العربية الشقيقة ناقوس الخطر في المنطقة العربية بأكملها، بعدما كشفت التحقيقات وصول أصحاب تلك الشهادات إلى مناصب قيادية عليا وحساسة في مفاصل الدولة. إن هذه الواقعة، وما تلاها من إجراءات عزل ومحاسبة، لا ينبغي النظر إليها كجريمة تزييف عابرة، بل هي "ثغرة استراتيجية" بالغة الخطورة؛ إذ يمتد خطرها ليشمل تحالفاً غير مقدس بين شبكات الفساد والمصالح غير المشروعة من جهة، وبين عمليات التجسس التخريبي من جهة أخرى، وكلاهما يستهدف النيل من مفاصل الدولة وأمنها القومي عبر زرع عناصر تخريبية في مراكز صنع القرار.

إن تاريخ الجاسوسية، وكذلك تاريخ قضايا الفساد الكبرى، مليء بحالات تم فيها استخدام تزوير الشهادات لخلق "أغطية مدنية" (Legend) تضمن لأصحابها الصعود السريع وتشكيل مراكز قوى موازية، ومن أبرز هذه النماذج:

- ٱنا تشابمان (Anna Chapman): جاسوسة روسية استخدمت شهادة ماجستير إدارة أعمال (MBA) مزورة لاختراق مجتمع المال وصناع القرار، مما يوضح كيف يخدم التزوير الأجندات المخابراتية التخريبية.

- يورغن كروتشينسكي (Jürgen Kuczynski): عميل استغل لقب "بروفيسور" كغطاء لإدارة شبكة تجسس سوفيتية في مجال الذرة، مستفيداً من الحصانة المجتمعية التي يمنحها اللقب العلمي المزور.

وفي ظل التحديات المتعلقة بتوسع ظاهرة "تزوير الشهادات والأقنعة الأكاديمية"، لم يعد كشف التزوير يقتصر على الورق، بل أصبح معركة تقنية لكشف من يسخرون العلم لخدمة شبكات الفساد أو أجهزة المخابرات، ومن بينها الوسائل الٱتية : 
أ- التوثيق الرقمي المشفر للشهادات، مما يتيح لاحقا كشف التزوير بمطابقة البصمة الرقمية للشهادة بسجلات الجامعات الأصلية عبر تقنيات (Blockchain) لقطع الطريق على المزورين مالم يكون هناك تواطؤ مع المزور من جهة إصدار الشهادة.

ب- تتبع المسار الدراسي للشخص إلكترونياً للتأكد من وجود أثر فعلي له، وكشف "الفجوات الزمنية" التي تختبئ وراءها تلك الإختراقات.

ج- فحص أسلوب كتابة الأطروحات العلمية المزور بإستخدام الذكاء الاصطناعي لكشف الأبحاث "المصنوعة" التي تُمنح كغطاء للجواسيس والمخربين أو للفاسدين.

د- المقابلات الفنية العميقة من خلال إخضاع المزور لمناقشات تخصصية دقيقة لكشف الثغرات في ذاكرته الأكاديمية، وهو ما يسقط أقنعة من لا يملكون من العلم إلا اللقب.
إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب استراتيجية أمنية شاملة لا تفرق بين "المزور المفسد" و"المزور الجاسوس"، فكلاهما معول هدم، وذلك عبر المحاور التالية:
١- حصر شامل وتدقيق قيادي: مراجعة شهادات كافة شاغلي المناصب القيادية الحالية لضمان خلو المواقع الحساسة من أدوات الفساد أو التجسس.

٢- عدم الإكتفاء بأسلوب فحص "الورقة" والتحول إلي فحص "الشخص" والورقة أيضاً، لقطع الطريق على عمليات "زرع" المخربين بمختلف انتماءاتهم.

٣- تحويل المناصب العامة (حكومية أو غير حكومية) إلى "مصيدة" لكشف المزورين والجواسيس والمخربين والفاسدين من خلال إخضاع أي شاغل (حالي أو سابق) لأي منصب أو مرشح لأي منصب (بداية من رئيس قسم أو مدير إدارة وصولاً إلى المناصب السياسية والبرلمانية والتنفيذية والحزبية والمجتمع المدني) لفحص أمني ورقابي وأكاديمي استباقي مشدد. وهذا الإجراء يضمن عدم "تنجيم" أو "تلميع" شخصيات مزورة تخدم شبكات الفساد أو أجهزة معادية، وبذلك تتحول المناصب العامة (حكومية أو غير حكومية) إلى "فخ جديد" يكتشف المزورين والمفسدين والمخربين بمجرد سعيهم للظهور في واجهة المشهد ويصبح خيطاً يقود للإمساك بشبكات الفساد أو التجسس التخريبي وربما الإرهاب أيضاً، فالتزوير هو القاسم المشترك لكل هذه الأنشطة الهدامة.

٤- تطبيق هذه التدابير بأثر رجعي لبناء "قواعد بيانات تاريخية" تضمن تطهير المؤسسات من رواسب شبكات المصالح غير المشروعة التي قد تكون تغلغلت في سنوات سابقة.

وفي هذا الصدد، فقد تقدمت بمقترح لوزير الداخلية والرقابة الإدارية عبر البوابة الإلكترونية لمنظومة الشكاوي الحكومية الموحدة (التابعة لمجلس الوزراء) برقم ١١٢٥٠٠٠٤  بتاريخ ١٦ ديسمبر ٢٠٢٥ يتضمن إشارة إلي ارتباط تزوير الشهادات بملف الجاسوسية وشبكات الفساد، ويتضمن مقترحات لكشف ومكافحة تزوير الشهادات منقولة عن متخصصين في هذا المجال.  

إن تطهير الجهاز الإداري للدولة والمجتمع المدني والنخبة المصرية والعربية ككل من حاملي الشهادات المزورة هو معركة أمن قومي، تهدف إلى حماية الدولة من سرطان الفساد ومن محاولات الإفساد والتخريب التي تستهدف النيل من استقرار وسلامة وثروات ومقدرات مصر والوطن العربي ككل.