رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

حقن قاتلة وعيادات بدون رقابة : ومن الجمال ما قتل

بوابة الوفد الإلكترونية

وفاة حفيدة رئيس وزراء مصر الأسبق قبل شهرين من زفافها بسبب حقنة فيلر.. وعروس حلوان لحقت بها
 

التشبه بالنجوم والإعلانات البراقة وراء هوس الفتيات بعمليات التجميل
 

حقن فيلر وبوتوكس مضروبة وراء حالات التشوه والموت
 

المراكز غير المرخصة "فخ " لترويج المنتجات الطبية الفاسدة
 

لم يعد الجمال مجرد رغبة أنثوية طبيعية بل تحول إلى هوس يطارد ملايين الفتيات والسيدات، يدفعهن أحيانًا إلى المخاطرة بصحتهن وحياتهن فى سبيل مظهر مختلف، ففى وقت تغزو فيه مراكز وصالونات التجميل كل شارع وزاوية، وتتنافس فى إعلاناتها على تقديم أحدث تقنيات الحقن والتنظيف والعناية بالبشرة، تتسع دائرة الضحايا كل يوم، وما يزيد المشهد قتامة أن الكوارث لم تعد حكرًا على فتيات مغمورات بل امتدت إلى أسماء لامعة فى عالم الفن والإعلام بعدما تحولت تجارب تجميلهن إلى قصص مثيرة للجدل تصدرت العناوين وأشعلت مواقع التواصل.
وبرغم الضجة التى تثيرها تجارب النجوم، فإن الواقع أشد قسوة، فالحوادث المؤلمة لم تعد مجرد روايات عابرة بل وقائع دامية هزت الرأى العام من أبرزها وفاة عروس شابة بحلوان قبل أيام من زفافها بعدما خضعت لحقن تجميلية فى مركز غير مرخص، ليتحول حلمها من بطلّة مختلفة فى ليلة العمر إلى مأساة مفجعة تكشف عن الوجه القاتم لصناعة تجميل غير آمنة، وعن الثمن الباهظ الذى قد تدفعه الفتيات مقابل معايير جمال يفرضها المجتمع بلا رحمة.
ومنذ فترة فقدت حفيدة كمال الدين حسين رئيس وزراء مصر الأسبق حياتها قبل شهرين من زفافها بسبب حقن «الفيلر» التى حصلت عليها فى أحد مراكز التجميل بالتجمع الخامس حيث فقدت الوعى أثناء عملية الحقن، وتم نقلها للمستشفى بعد تكرار فقدان الوعى ليثبت إصابتها بجلطة فى الشريان الرئوى كانت سببا فى وفاتها، وتمت إحالة الطبيب للمحاكمة العاجلة حيث قضت المحكمة بحبسه سبع سنوات بتهمة القتل الخطأ.
وبذلك فما بين كريمات تفتيح مجهولة المصدر، وحقن فيلر وبوتوكس غير مرخصة، وإجراءات تجميلية تُجرى بأيد غير متخصصة وفى بيئات تفتقر إلى الحد الأدنى من التعقيم يتحول البحث عن الجمال السريع إلى طريق محفوف بالمخاطر، قد يبدأ بتهيج جلدى بسيط وينتهى بفاجعة قد تصل إلى الوفاة.
ومع تنامى الظاهرة، تكثف وزارة الصحة وهيئة الدواء بالتعاون مع مباحث التموين حملاتها الرقابية، فتضبط مراكز تعمل دون تراخيص ومستحضرات منتهية الصلاحية تباع بلا إشراف طبى ومع ذلك، يظل استمرار تداول منتجات مجهولة على الأرصفة ومحال الأدوات التجميلية شاهدًا على نشاط سوق سوداء لا تعرف الرحمة، لتبقى الفتيات الحلقة الأضعف فى معركة البحث عن الجمال الزائف.
ورغم التحذيرات تتوالى قصص الفتيات اللاتى خضن تجارب مريرة فى سبيل الحصول على مظهر مثالى، إذ تروى سارة 26 عاما قصتها بمرارة: كنت عايزة أظهر بشكل مختلف فى فرحى ورحت لمركز تجميل معروف فى منطقتى عملت حقن فيلر للشفايف وبعد يومين وشى ورم لدرجة إنى ما عرفتش نفسى فى المراية واضطررت أدخل المستشفى.
أما هبة 23 عاما فتعتبر أن الإغراء الأكبر هو الأسعار الرخيصة: المكان اللى رحلته عرض عليا جلسة تنظيف بشرة وحقنة تفتيح بسعر قليل جدًا، لكن بعد كده اكتشفت أن المواد منتهية الصلاحية والنتيجة كانت التهابات وبقع غامقة فى وشى لحد النهاردة.
وتحكى دعاء 30 عاما عن مأساة سببها منتج بسيط: اشتريت كريم تفتيح من محل أدوات تجميل وبعد أسبوع ظهرت حساسية وبقع حمرا فى وجهى لما بصيت على العلبة لقيت تاريخ الصلاحية منتهٍ من سنة ونص.
بينما ترى نهى 28 عاما أن المشكلة تكمن فى غياب وعى المستهلكات: معظم البنات مش بيدوروا على ترخيص المركز أو مصدر المستحضر. كل اللى يهمهم النتيجة السريعة وده بيخلينا ضحايا جشع التجار.
أما إيمان 35 عاما موظفة، فترى أن الهوس بالجمال نفسه هو أصل الأزمة: زمان كنا بنعتمد على الوصفات الطبيعية ونرضى باللى ربنا كتبه لنا. دلوقتى البنات بيجروا وراء أى إعلان أو مركز تجميل حتى لو فيه خطورة. الجمال بقى تجارة، والضحايا هما البنات اللى بيدفعن صحتهن.»
وتسرد رحاب 29 عاما تجربتها قائلة: جوزى كان بيضغط عليا أعمل جلسات عشان أبان أصغر رحت لمركز قريب لكن خرجت بتورمات والتهابات الدكتور قال لى إن الحقن كانت غير معقمة وقتها حسيت إن حياتى كلها ممكن تضيع بسبب قرار متسرع.
هذه الشهادات وغيرها تكشف أن الخطر لم يعد بعيدا عن أى فتاة وأن البحث عن الجمال بأى ثمن قد ينتهى بمأساة لا تمحى.
قوانين واضحة.. لكن التحايل أقوى
قال المستشار أيمن محفوظ، المحامى بالنقض، إن قضية التجميل فى مصر لم تعد مجرد شأن جمالى أو اجتماعى، بل أصبحت قضية قانونية وصحية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، لافتًا إلى أن التشريعات المصرية تفرّق بوضوح بين نوعين من مراكز التجميل.
وأوضح أن هناك مراكز تقدم خدمات تجميلية بسيطة، مثل العناية بالبشرة والشعر، وهذه تُصنّف كمحال عامة تخضع للقانون رقم 154 لسنة 2019 بشأن المحال العامة، ولائحته التنفيذية. ويشترط القانون لهذه المراكز الحصول على تراخيص رسمية، وتعيين مدير مسئول، والالتزام بالمعايير الصحية، مثل نظافة المكان وتقديم شهادات صحية للعاملين، وتخصيص أماكن محددة لممارسة الأنشطة المختلفة. أما المراكز التى تقدم خدمات ذات طبيعة طبية مثل حقن الفيلر والبوتوكس أو عمليات شد الجلد، فهى تُعامل كمراكز طبية تخضع لإشراف وزارة الصحة مباشرة، ويشترط أن يديرها أطباء مرخصون يخضعون لقانون المسؤولية الطبية.
وأشار محفوظ إلى أن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما تختلط الأمور، إذ تستغل بعض المراكز غير المرخصة جهل أو اندفاع الفتيات، وتقدم خدمات طبية تحت ستار أنها إجراءات تجميلية بسيطة، وهو ما يفتح الباب أمام كوارث حقيقية. فالقانون واضح وصريح، لكن التحايل وغياب الوعى يتركان مجالًا واسعًا لوقوع ضحايا.
وحول المسؤولية القانونية فى حال وقوع وفيات أو تشوهات نتيجة هذه الإجراءات، قال محفوظ: «استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات أو مغشوشة يدخل فى نطاق جريمة الغش التجارى المنصوص عليها فى القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994. وهذه الجريمة لا يُستهان بها، إذ يعاقب القانون مرتكبيها بالحبس والغرامة، وتصل العقوبات إلى السجن المشدد أو المؤبد إذا ترتب على الغش وفاة شخص أو أكثر أو إصابتهم بعاهة مستديمة».
وأضاف أن مصر شهدت بالفعل حالات مأساوية، منها وفاة عروس شابة قبل أيام قليلة من زفافها نتيجة حقن تجميلية فى مركز تجميل غير مرخص، لافتًا إلى أن مثل هذه الحوادث المؤسفة تكشف ثغرات فى الرقابة من ناحية، وقصورًا فى وعى المستهلكين من ناحية أخرى.
وتابع محفوظ موضحًا أن تجارة مستحضرات التجميل المغشوشة ومنتهية الصلاحية أصبحت أحد أبرز التحديات أمام الجهات الرقابية، حيث تُباع هذه المنتجات فى بعض الصيدليات ومحلات أدوات التجميل وحتى عبر الإنترنت، دون أى ضوابط. وهنا تتداخل عدة قوانين، منها قانون الصيدلة، وقانون العقوبات، وقانون الغش التجارى، وجميعها تنص على معاقبة المروجين والمستخدمين على السواء، بعقوبات تصل إلى الحبس والغرامة، بل وقد تُضاعف العقوبة حال حدوث ضرر جسيم للمستهلك.
وضرب محفوظ مثالًا بمنتجات سابقة تم الترويج لها عبر الإعلام بمشاركة شخصيات عامة وأطباء، وتبين لاحقًا أنها مغشوشة أو غير آمنة، فتم منعها من التداول وتوقيع عقوبات على المروجين. وهو ما يثبت – بحسب قوله – أن القانون لا يرحم، لكنه يحتاج إلى يقظة دائمة من الأجهزة التنفيذية حتى لا يجد الغشاشون منفذًا للهروب.
وعن كفاية القوانين الحالية لردع المخالفين، أكد محفوظ أن النصوص بالفعل صارمة، لكن الإشكالية تكمن فى التطبيق العملى والرقابة المستمرة، مشيرًا إلى أن «الجريمة ستظل موجودة مهما بلغت شدة القوانين، ولكن يمكننا تقليل نسبتها عبر تفعيل الرقابة وزيادة وعى المستهلكين. فإذا لم ينساق المواطن وراء الأسعار الرخيصة والدعاية المضللة، فلن يجد الغشاشون سوقًا يروجون فيه منتجاتهم».
وأردف قائلًا: «علينا أن ندرك أن التجميل الرخيص قد يكلف الفتاة حياتها، فالمبالغ التى يتم توفيرها اليوم قد تتحول إلى تكلفة باهظة على الصحة غدًا. لذا لا بد أن يكون هناك وعى عام بأن الجمال لا يُشترى من أى مكان، وأن أى إجراء طبى تجميلى يجب أن يتم داخل منشأة مرخصة وتحت إشراف طبيب متخصص».
أما عن حقوق الضحايا وأسرهم، فأوضح محفوظ أن القانون المصرى يضمن للمتضررين الحق فى المطالبة بتعويضات عادلة عن الأضرار التى لحقت بهم، سواء كانت مادية أو أدبية، وذلك استنادًا إلى المادة 163 من القانون المدنى المصرى، التى تقرر أن كل خطأ يُسبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض. وتُقدَّر هذه التعويضات وفقًا للضرر الواقع وسلطة القاضى التقديرية، إلى جانب العقوبات الجنائية التى قد تُفرض على المركز أو القائمين عليه.
وختم محفوظ حديثه بالتأكيد على أن الحل لا يقتصر على العقوبات وحدها، بل يتطلب منظومة متكاملة تبدأ بالرقابة الحكومية المشددة، مرورًا بتشديد معايير الترخيص، وانتهاءً بدور الإعلام فى توعية الفتيات بمخاطر الانسياق وراء الدعاية البراقة. وقال: «علينا أن نغرس ثقافة أن الجمال الحقيقى لا يأتى عبر المخاطرة بالحياة، وأن القانون سيظل بالمرصاد لكل من يعبث بصحة المواطن».
ضغوط اجتماعية
من جانبها، ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الضغوط الاجتماعية، تعد من أبرز الأسباب التى تدفع الفتيات إلى الانسياق وراء هوس التجميل، موضحة أن الثقافة السائدة تربط بين جمال المرأة وقبولها الاجتماعى وزواجها، مما يجعل الكثير من الفتيات يسعين إلى عمليات أو مستحضرات تجميلية سريعة، حتى لو على حساب صحتهن.
وأضافت أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورًا كبيرًا فى ترسيخ صورة مثالية للجمال يصعب الوصول إليها، حيث يروج المؤثرون لمنتجات أو إجراءات تجميلية مجهولة المصدر، مما جعل الجمال بالنسبة للفتيات وكأنه واجب يومى وليس مجرد اختيار شخصى.
وأوضحت خضر أن هذه الضغوط قد تتحول إلى آثار نفسية خطيرة، إذ يمكن أن تفقد الفتاة ثقتها بنفسها، وتشعر دائمًا أنها غير جميلة بما يكفى، وهو ما يقود فى بعض الحالات إلى إدمان عمليات التجميل أو الدخول فى اضطرابات نفسية.
وتعليقًا على حادث وفاة العروس بعد خضوعها لحقن تجميلية قبل أيام من زفافها، رأت أستاذة علم الاجتماع أن ما حدث يعد نتيجة طبيعية لثقافة «الضغط على الفتاة» لتبدو الأجمل فى ليلة العمر، حتى لو كان الثمن حياتها.
وأكدت أن الحل لا يكمن فى محاربة التجميل، بل فى التوعية المجتمعية بأهمية القبول الذاتى، ودور الأسرة والمدرسة والإعلام فى تعديل المفاهيم المغلوطة، إلى جانب حملات توعية تكشف مخاطر التجميل غير الآمن وتردع المراكز المخالفة.
خطورة بالغة
أكد الدكتور أحمد أبو الغيط، أخصائى الأمراض الجلدية، أن استخدام مستحضرات التجميل مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية يمثل خطورة بالغة على البشرة، إذ قد يتسبب فى تهيجات جلدية حادة، والتهابات بكتيرية أو فطرية، وردود فعل تحسسية قد تترك بقعًا أو ندبات دائمة. وأضاف أن بعض هذه المنتجات قد تحتوى على معادن ثقيلة أو مواد كورتيزونية غير معلن عنها، ما يؤدى إلى ترقق الجلد أو ظهور تصبغات مزمنة يصعب علاجها على المدى الطويل.
وحذر أبو الغيط من لجوء بعض الفتيات إلى مراكز غير متخصصة لإجراء حقن الفيلر أو البوتوكس باستخدام مواد مغشوشة، مشيرًا إلى أن النتائج قد تكون كارثية، حيث يمكن أن تحدث التهابات شديدة أو تليفات وتكتلات تحت الجلد، وتشوهات فى ملامح الوجه، بل قد تصل المضاعفات إلى انسداد الأوعية الدموية، وهو ما قد يسبب موت الأنسجة أو حتى فقدان البصر. وأكد أن مثل هذه الإجراءات يجب أن تتم حصريًا على يد أطباء متخصصين لضمان السلامة.
وأوضح أن هناك علامات إنذارية مبكرة ينبغى الانتباه إليها بعد استخدام أى مستحضر أو الخضوع لإجراء تجميلى، أبرزها: احمرار متزايد، انتفاخ غير طبيعى أو مؤلم، ظهور بثور أو إفرازات صديدية، تغير لون الجلد إلى الأزرق أو الأسود، أو الشعور بألم شديد وفقدان الإحساس فى المنطقة. وشدد على أن ظهور أى من هذه الأعراض يستوجب التوجه الفورى إلى الطبيب لتجنب تفاقم المضاعفات.
وأشار أبو الغيط إلى أن بعض الفئات أكثر عرضة للتأثر بالأضرار، وعلى رأسها الحوامل، إذ يمكن لبعض المكونات أن تؤثر سلبًا على الجنين، وكذلك أصحاب البشرة الحساسة الذين يتعرضون للتحسس بشكل أسرع، إضافة إلى مرضى الأمراض المزمنة مثل السكرى وضعف المناعة، نظرًا لبطء التئام الجروح لديهم وزيادة احتمالية المضاعفات. ونصح هذه الفئات بضرورة استشارة الطبيب قبل استخدام أى مستحضر أو الخضوع لأى إجراء تجميلى، والالتزام بالمنتجات الطبية المصرح بها فقط.
واختتم أخصائى الجلدية حديثه بالتأكيد على مجموعة من الإجراءات الوقائية التى تحمى الفتيات من المخاطر، وتشمل: التأكد من أن المنتج مرخص من وزارة الصحة ومصدره موثوق، قراءة المكونات والتحذيرات المدونة على العبوة، تجربة المنتج على مساحة صغيرة من الجلد قبل الاستخدام الكامل، واللجوء فقط إلى المراكز الطبية الموثوقة حيث يتولى الأطباء المتخصصون تنفيذ الإجراءات. كما شدد على ضرورة عدم الانسياق وراء الدعاية المضللة أو الأسعار المنخفضة على حساب السلامة والصحة.