آخرها الأوسكار..
صوت هند رجب.. الأكثر عرضاً فى مهرجانات 2025
مخرجة الفيلم: نقلنا صوت فلسطين لكل ساحات السينما بالعالم
استطاع فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية أن يحقق حضوراً غير مسبوق فى خريطة المهرجانات السينمائية العالمية خلال عام 2025، ليصبح العمل العربى الأعلى مشاركة وتأثيراً فى المحافل السينمائية الدولية والعربية على حد سواء، حتى وصل لتمثيل السينما العربية فى جائزة الأوسكار، وهو فيلم يمس ضمير العالم، لتتحول قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب إلى صوت سينمائى عالمى يصل بالقضية الفلسطينية إلى ساحات العالم السينمائية.
توج هذا النجاح بترشيح «صوت هند رجب» لجوائز عالمية كبرى، أبرزها ترشيحه لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبى غير ناطق بالإنجليزية، إضافة إلى ترشيحه لجائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية فى جوائز الجولدن جلوب 2026. وهذه الترشيحات وضعت الفيلم فى مصاف الأعمال العالمية الكبرى، وأكدت أن السينما العربية قادرة على المنافسة فى أعلى المنصات الدولية.

عبرت مخرجة العمل كوثر بن هنية عن سعادتها بهذا الإنجاز التاريخى للفيلم فى مهرجانات العالم، وأضافت أن الإنجاز الحقيقى الذى حققه الفيلم أنه وصل بالقضية الفلسطينية لساحات السينما العالمية.
روت بن هنية أن نقطة البداية كانت تسجيلاً صوتياً قصيراً لنداء الاستغاثة الشهير الذى أطلقته هند عبر الهاتف قبل استشهادها، والذى نشره الهلال الأحمر الفلسطينى.
وبعد تواصلها مع المؤسسة، حصلت على التسجيلات الكاملة لكل المكالمات التى جرت بين الطفلة وطاقم الإسعاف، ووصفت ذلك بأنه «ثقة كبرى» من المؤسسة، ومن أسرة الضحية، وضعها أمام مسئولية غير مسبوقة.
وأكدت المخرجة أنها لم تكن لتتقدم فى العمل دون موافقة والدة هند، التى كانت لا تزال فى مرحلة الحداد العميق، وقالت إن الأم وافقت على إنتاج الفيلم، لأنها تخشى أن تدفن ذكرى ابنتها «بين جثامين آلاف الأطفال» فى غزة.
شرحت بن هنية أن اختيار الدمج بين الشكلين الروائى والتسجيلى جاء من اللحظة الأولى التى سمعت فيها صوت هند، إذ رغبت فى نقل المشاهد مباشرة إلى تلك اللحظة الزمنية، «كما لو أن الطفلة لا تزال حية تطلب المساعدة». ولذلك قررت تصوير الفيلم بأسلوب وثائقى من حيث الأداء والتلقائية، لكن مع عناصر درامية يعاد فيها تمثيل الأحداث بدقة.
وكشفت أنها اتفقت مع الممثلين على عدم منحهم توجيهات أدائية أو إعادة المشاهد، بل تركتهم يتلقون صوت هند الحقيقى لأول مرة أثناء التصوير، بحيث تكون ردود أفعالهم حقيقية وغير مصطنعة، وأشارت إلى أن الهدف لم يكن التمثيل، بل «الوجود الكامل داخل اللحظة».
وأضافت كوثر أن التصوير تم فى لقطات طويلة دون قطع، حتى إن ظهرت أخطاء تقنية. وفى الظروف العادية كانت ستعيد المشهد، لكنها تقول: «كان الممثلون يعيشون الألم لحظة بلحظة، ولم أستطع كسر هذا الصدق من أجل الكمال التقنى».
لم يكن «صوت هند رجب» مجرد فيلم، بل تحول إلى ظاهرة ثقافية وإنسانية، وصار رمزاً لصوت الضحايا الأبرياء، ولقدرة السينما على توثيق الألم وتحويله إلى ذاكرة جماعية. مشاركاته الواسعة فى مهرجانات عام 2025 جعلته الفيلم العربى الأعلى حضوراً وتأثيراً فى تلك السنة، ورسخت مكانته كأحد أهم الأعمال السينمائية فى العقد الأخير.

منذ عرضه العالمى الأول فى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى، فرض الفيلم نفسه كأحد أبرز الأعمال المنافسة، حيث حظى باستقبال استثنائى توج بتصفيق استمر أكثر من عشرين دقيقة، فى مشهد نادر يعكس قوة التأثير العاطفى والإنسانى للفيلم. وهذا العرض لم يكن مجرد مشاركة فى مهرجان عريق، بل كان إعلاناً رسمياً عن ولادة فيلم سيجوب العالم حاملاً معه شهادة حية على مأساة إنسانية حقيقية.
نال «صوت هند رجب» فى فينيسيا سبع جوائز مرموقة، أبرزها جائزة الأسد الفضى للجنة التحكيم الكبرى، إلى جانب جوائز أخرى مثل الشبل الذهبى، وجائزة الصليب الأحمر الإيطالى، وجائزة أركا للسينما الشبابية، وتنويه سينما من أجل اليونيسف، وجائزة إنريكو فولتشينونى (اليونسكو). وهذا الحصاد الكثيف وضع الفيلم مباشرة فى صدارة الاهتمام النقدى والإعلامى، ومهد الطريق أمام مشاركاته الواسعة لاحقاً.
خلال عام 2025، شارك الفيلم فى أكثر من خمسة عشر مهرجاناً دولياً بارزاً، حيث اختتم مهرجان القاهرة السينمائى وشارك فى مهرجان الجونة، ومهرجانات أخرى متنوعة بين أوروبا والعالم العربى، وكان ضيف شرف فى العديد منها. افتتح مهرجان الدوحة السينمائى، كما عرض فى مهرجانات مرموقة مثل سينيميد مونبلييه فى فرنسا، وموسترا فالنسيا فى إسبانيا، ومهرجان ليدز الدولى للأفلام فى بريطانيا، ومهرجان وارسو السينمائى فى بولندا، وصولاً إلى مهرجان غنت السينمائى فى بلجيكا، حيث حصد الجائزة الكبرى لأفضل فيلم لعام 2025.
ولم تقتصر مشاركات «صوت هند رجب» على الحضور الشرفى فقط، بل حصد فى كل محطة تقريباً جوائز مهمة، أبرزها جوائز الجمهور فى عدة مهرجانات، وهو ما يعكس حالة التفاعل المباشر مع المتفرجين، بعيداً عن لجان التحكيم وحدها. وهذا الالتفاف الجماهيرى حول الفيلم عزز مكانته كعمل إنسانى مؤثر قادر على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية.
إن القوة الحقيقية للفيلم تكمن فى قصته المستندة إلى واقعة حقيقية حدثت فى 29 يناير 2024، عندما تلقت فرق الهلال الأحمر اتصال استغاثة من طفلة فلسطينية فى السادسة من عمرها، عالقة داخل سيارة محاصرة بنيران الاحتلال فى غزة. وكانت هند رجب تناشد العالم لإنقاذها، بينما يحاول المتطوعون إبقاءها على الخط إلى أن تصل سيارة الإسعاف، لكن النهاية جاءت مأساوية. هذا التسجيل الصوتى، الذى تحول إلى وثيقة دامغة، شكل العمود الفقرى للفيلم، ومنح العمل صدقه وعمقه الإنسانى.
ساهم فريق العمل فى نقل هذه القصة بحساسية عالية، حيث شارك فى البطولة كل من سجا الكيلانى، ومعتز ملحيس، وكلارا خورى، وعامر حليحل، ونجحوا فى تقديم أداء صادق بعيد عن المبالغة. كما لعبت الموسيقى التصويرية التى وضعها أمين بوحافة، والتصوير السينمائى لخوان سارمينتو جى، دوراً أساسياً فى خلق أجواء مشحونة بالتوتر والألم، فيما جاء المونتاج ليحافظ على إيقاع متوازن بين الصدمة والتأمل.
عام 2025 كان ذروة المسيرة المهرجانية للفيلم، حيث لم يقتصر حضوره على المهرجانات فقط، بل امتد إلى دور العرض التجارية ضمن مبادرة «سينماد» لعرض الأفلام العربية فى دور السينما حول العالم العربى. وعرض الفيلم فى عشرات دور العرض بمصر، والسعودية، والإمارات، وقطر، والعراق، وعمان، والكويت، والبحرين، والأردن، وسوريا، ليصل إلى جمهور واسع خارج الإطار النخبوى للمهرجانات.