رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

نقص الرقائق يعيد شبح التوقف.. هوندا توقف الإنتاج في اليابان والصين مطلع 2026

بوابة الوفد الإلكترونية

رغم مرور سنوات على ذروة أزمة الرقائق الإلكترونية التي هزّت صناعة السيارات عالميًا، لا تزال تداعياتها تظهر بين الحين والآخر، وهذه المرة عبر شركة هوندا اليابانية، التي أعلنت عن خطوات جديدة لتعليق الإنتاج بسبب اضطرابات مستمرة في سلاسل التوريد. 

تقرير نشرته وكالة بلومبرج كشف أن الشركة قررت إيقاف الإنتاج في اليابان يومي 5 و6 يناير، إلى جانب تعليق العمل في مصانعها الثلاثة بالصين خلال الفترة من 29 ديسمبر حتى 2 يناير، في مؤشر واضح على أن الأزمة لم تُطوَ صفحتها بعد.

هوندا لم تُحدد رسميًا أسماء المصانع المتأثرة في اليابان، لكنها أكدت أن القرار مرتبط بنقص المكونات الإلكترونية، وعلى رأسها الرقائق منخفضة التكلفة المستخدمة في أنظمة السيارات الحديثة. 

هذه الرقائق، التي قد تبدو أقل تعقيدًا من تلك المستخدمة في الهواتف الذكية أو مراكز البيانات، تُعد عنصرًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه في خطوط الإنتاج، وهو ما يجعل أي خلل في توفرها سببًا مباشرًا لتعطل المصانع.

الجديد في هذه الأزمة أنها لا ترتبط بجائحة أو كارثة طبيعية، بل بصراع جيوسياسي غير مباشر، كانت هولندا مسرحًا له. ففي أكتوبر الماضي، اتخذت الحكومة الهولندية خطوة مفاجئة بالسيطرة على شركة Nexperia لصناعة الرقائق، وهي شركة مملوكة في الأساس لمجموعة صينية تُدعى Wingtech، رغم أن عملياتها تتم داخل الأراضي الهولندية. الشركة متخصصة في إنتاج الرقائق منخفضة ومتوسطة الأداء، والتي تُستخدم على نطاق واسع في السيارات والأجهزة المنزلية والمنتجات التقنية اليومية.

التبرير الرسمي الصادر عن الحكومة الهولندية آنذاك أشار إلى وجود “قصور خطير في الحوكمة”، إلى جانب مخاوف من احتمال نقل تكنولوجيا حساسة خارج أوروبا، في حال استمرت السيطرة الصينية على الشركة. لكن تقارير لاحقة، من بينها ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كشفت أن السلطات الهولندية كانت على علم بهذه الخطط المحتملة منذ عام 2019، ما فتح بابًا واسعًا للتشكيك في دوافع القرار وتوقيته.

الخطوة الهولندية جاءت، بحسب تقارير إعلامية، استجابة لضغوط أمريكية في إطار صراع أوسع على سلاسل توريد التكنولوجيا بين واشنطن وبكين. ولم يتأخر الرد الصيني كثيرًا، إذ قامت بكين بفرض قيود على تصدير الرقائق المنتجة من Nexperia، في إجراء انتقامي أصاب صناعات متعددة في أوروبا وآسيا، وكان قطاع السيارات من أكثر المتضررين.

صحيح أن الأزمة شهدت لاحقًا نوعًا من التهدئة، بعد ما وصفته هولندا بـ”محادثات بناءة”، حيث جرى تعليق التدخل الحكومي، وبدأت الصين في تخفيف القيود جزئيًا عبر استثناءات محدودة على ضوابط التصدير، إلا أن هذه الخطوات لم تكن كافية لإعادة سلاسل الإمداد إلى وضعها الطبيعي. فالضرر كان قد وقع بالفعل، واستعادة التوازن تحتاج وقتًا أطول مما توقعت الشركات.

هوندا كانت قد أعلنت في وقت سابق أنها تتوقع عودة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية بحلول أواخر نوفمبر، لكن الواقع خالف التوقعات. قرار تعليق الإنتاج في مطلع يناير يعكس مدى هشاشة سلاسل التوريد العالمية، حتى بعد سنوات من التحذيرات والدروس المستفادة من أزمات سابقة.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة رويترز عن أمبروز كونروي، الرئيس التنفيذي لشركة Seraph Consulting المتخصصة في استشارات صناعة السيارات، قوله إن القطاع بأكمله لم يكن مستعدًا لمثل هذا النوع من الاضطرابات. وأضاف: “لم يستعد أحد في صناعة السيارات للاضطرابات الجيوسياسية، وحتى الآن، لا يزالون غير مستعدين”.

تصريحات كونروي تلخص أزمة أعمق من مجرد نقص رقائق؛ فهي أزمة اعتماد مفرط على سلاسل توريد معقدة وعابرة للحدود، تتأثر بسرعة بأي توتر سياسي أو قرار سيادي. ورغم محاولات بعض الشركات تنويع مصادرها أو نقل أجزاء من الإنتاج محليًا، فإن الواقع يؤكد أن هذه التحولات تحتاج سنوات، لا أشهر.

في المحصلة، يعكس قرار هوندا الأخير أن صناعة السيارات العالمية ما زالت تعيش في ظل أزمة مفتوحة، تتداخل فيها التكنولوجيا بالسياسة والاقتصاد. وبينما يسعى المصنعون إلى استعادة الاستقرار، يبقى السؤال الأكبر: هل تعلّم القطاع الدرس هذه المرة، أم أن العالم على موعد مع موجات جديدة من التعطيل كلما اشتعل خلاف جيوسياسي جديد؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف الإجابة.