رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

خارج السطر

ذات يوم وبعد انتهاء إحدى ندواتى الثقافية، اقترب منى رجل ستينى، مهندم الثياب، حزين الوجه، بدا متردداً وهو يصافحنى بعد أن قال لى إنه يريد استشارتى فى أمر خاص بعيداً عن موضوع الندوة. استحثنى تلعثمه لأرحب به وأحفزه لينتحى بى جانباً، ويقول لى بأسى شديد: إن ابنى الوحيد ملحد، ينكر الدين كلية، ويطرح أفكاراً غريبة، وقد جربت معه المقاطعة والخصام، فلم أفلح، وحاولت تهديده بالفضح لكنه لم يكترث، ولا أعرف ماذا أفعل.

سألته إن كان يقرأ، فقال : قليلاً، واستفسرت إن كان على استعداد لنقاش مع أحد، فأخبرنى بأنه استعان بمشايخ وأقارب للحوار معه، فاستفزهم بأسئلته، فكفروه، وفشلت المحاورات.

قلت له: لا تقاومه، ولا تلعنه، واترك جسراً دائماً للحوار معه، وحفزه على القراءة والبحث، ولا تغضب من تصوراته، وإنما ناقشها بهدوء ودون غضب. فابنك لديه الحق فى أن يفكر ويبحث ويشك ويسأل ويقرر معتقده بنفسه، وكثيرون قبلنا وحولنا مروا بلحظات شك عصيبة، فأصبحوا مفكرين عظاماً يهتدى بهم الناس.

تذكرت الرجل المهموم وأنا أقرأ حيثيات حكم محكمة القضاء الإدارى برفض دعوى مرتضى منصور بمنع عرض فيلم الملحد، استناداً إلى أن هيئة الرقابة على المصنفات الفنية وحدها هى صاحبة الحق فى الإجازة والمنع طبقاً لنصوص القانون. فالفيلم الذى يناقش قضية مهمة وحيوية فى المجتمع المصرى، تعرض لتعطيل عرضه بسبب إصرار بعض المتصدرين للمشهد على ممارسة حق الوصاية على الناس، والمجتمع، والدولة. وبمجرد إعلان الكاتب إبراهيم عيسى قبل عامين عن انتهائه من كتابة فيلم «الملحد» حتى اعتبر المنصبون أنفسهم أوصياء على الناس، العمل الفنى جرماً، وحظره ضرورة إسلامية، رغم أن أحداً منهم لم يره.

وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إنه من المعلوم بالضرورة أن حرية التعبير تنبع من فيض الكرامة الإنسانية التى أنعم بها المولى عز وجل على البشرية جمعاء، وهى تعد أحد الأعمدة الرئيسية فى بنيان الحقوق والحريات المصرى.

وأوضحت أن فن السينما من أهم وسائل التعبير عن الرأى، والفكر، ونشر الأخلاق، والقيم، والمفاهية الإنسانية، وحمايته باعتباره إحدى صور الإبداع لا يستقيم أمره أو يستوى على صحيح مقصده إلا بتقييمه فى إطار كونه عملاً فنياً.

وتدور قصة الفيلم حول شاب مسلم تمرد على الوسط المحيط به نتيجة التشدد الدينى الذى رباه عليه من والده، ومن ثم أعلن إلحاده تحدياً لوالده المتشدد، وما لبث أن توفى الأب حتى رجع الابن للبحث والتفكير ليصل إلى الإيمان باقتناع ورضا.

وأتصور أن الإلحاد يمثل موجة طبيعية تعانى منها المجتمعات المنغلقة، التى لم تعتد حواراً ولم تقبل نقاشاً. ولا شك فى أننا فى مصر- رغم رحابة العالم وثورة العقول وتطور التواصل - مازلنا نخشى من عمل فنى يناقش قضية مجتمعية خطيرة بمنطق ووعى.

ما المخيف فى استجلاء فلسفة الملحدين؟ وما المزعج فى مناقشة رؤاهم وتصوراتهم؟ إن التسليم وهز الرأس والانصياع لكل ريح هو تكرار لفكرة الكافرين بالأنبياء التى واجهوا بها رسالات السماء عندما كرروا عبارة «وجدنا آباءنا لها عابدين» كمبرر لعبادة الأوثان.

وهذا المنطق لا يمكن أن يصنع إيماناً حقيقياً، ولا أن يبنى مجتمعاً صلباً قوياً بشبابه ومتماسكاً بشيوخه، ومتسعاً بمحاورات الألباب فيه، وهذا يمثل خطراً ربما أشد من ظاهرة الإلحاد نفسه، فغياب التفكير والتدبر كفيل بانسحاق الإنسان. وأحسب أن تصريح الرئيس السيسى الأخير بشأن توارث معتقدات الناس، وكيفية ترسخها فى الأذهان دون بحث واقتناع جدير بالبحث والاهتمام.

والله أعلم.

 

[email protected]