رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

سالي عاطف: "نيجيريا تواجه أخطر موجة خطف والدولة تسابق الزمن لإنقاذ التعليم والأمن"

سالي عاطف
سالي عاطف

قالت سالي عاطف، المتخصصة في الشأن الإفريقي، إن نيجيريا تشهد اليوم واحدة من أكثر اللحظات ظلامًا في تاريخها الحديث، بعدما تحوّلت عمليات الخطف الجماعي من حوادث متفرقة إلى ظاهرة مرعبة تهزّ المجتمع وتكشف هشاشة المشهد الأمني بأكمله. 

خلال أسابيع قليلة فقط، وجد النيجيريون أنفسهم أمام موجة من الهجمات التي أعادت فتح جراح قديمة، وأطلقت أسئلة جديدة حول قدرة الدولة على حماية مواطنيها، خصوصًا الأطفال.

وأضافت أنه في نوفمبر الماضي، تعرّضت البلاد لواحدة من أكبر عمليات الاختطاف في تاريخها الحديث، عندما اقتحم مسلحون مدرسة “سانت ماري الكاثوليكية” في ولاية النيجر، وخطفوا 303 طلابًا إضافةً إلى 12 معلمًا. 

ورغم أن نحو 50 طالبًا تمكنوا من الهروب لاحقًا، إلا أن العدد المتبقي كان كافيًا لإشعال حالة غضب وذعر داخل نيجيريا وخارجها، لم يكن هذا الحادث الوحيد؛ ففي ولاية “كيبي” اختُطفت 25 طالبة في غضون أيام فقط، بينما وثّقت منظمات دولية ما لا يقل عن 670 طفلًا تأثروا بهجمات تستهدف المدارس خلال أقل من عامين.

وأشارت إلى أن هذه الأرقام ليست مجرّد بيانات صامتة؛ إنها صورة لبلد يتعرّض نظامه التعليمي للتفكك تحت تهديد جماعات مسلحة تعرف تمامًا ضعف الدولة في مناطق الريف والأطراف. عشرات المدارس أُغلقت — بعضها قسريًا — بعد الهجمات الأخيرة، بما فيها نحو 47 مدرسة داخلية تم تعليق الدراسة فيها خوفًا من هجمات مشابهة. آلاف الطلاب باتوا محاصرين بين خيارين أحلاهما مرّ: الانقطاع عن الدراسة أو الذهاب إلى مدارس قد تُصبح في أي لحظة هدفًا جديدًا.

وتابعت “رد الدولة جاء متأخرًا لكنه حمل اعترافًا ضمنيًا بحجم الكارثة. ففي 26 نوفمبر، أعلن الرئيس بولا تينوبو حالة طوارئ أمنية وطنية، وأمر بتجنيد 20 ألف ضابط شرطة إضافيين لرفع القوة العاملة الأمنية إلى نحو 50 ألف فرد، وهي أكبر عملية تجنيد أمني في تاريخ البلاد. كما تم نشر قوات إضافية في الغابات والمناطق الأكثر هشاشة، في محاولة للحد من انتشار العصابات التي باتت تعمل بثقة أكبر وبقدرة على تنفيذ عمليات واسعة دون مقاومة تُذكر”.

واستكملت "لكن قراءة أعمق للمشهد تكشف أن الأزمة ليست أمنية فقط. فالخطف أصبح صناعة مربحة في بعض المناطق، تستفيد منها عصابات “الباندتس” التي تستهدف المدنيين مقابل الفدية، مستغلة الفقر ونقص الخدمات وضعف الدولة. جماعات أخرى لها دوافع دينية أو سياسية تندمج أحيانًا في المشهد، ما يجعل خطوط الفصل بين الإجرام والإرهاب باهتة في كثير من الأحيان. وبين هذا وذاك، يجد المزارعون أنفسهم عاجزين عن العمل في حقولهم، والقرى محاصرة بالخوف، والمجتمعات المحلية على حافة الانهيار.

ولفتت إلى أن الأخطر من ذلك يكمن في أن الثقة بين المواطن والدولة تتراجع بسرعة، فكل عملية خطف جديدة لا تُنهي فقط مستقبل أطفال معيّنين، بل تُضعف الإيمان بأن الدولة قادرة أصلًا على إنقاذهم. كل مدرسة تُغلق تمثل مساحة جديدة ينسحب منها التعليم ويحتلها الخوف. كل طفل يتعرض للخطف هو رسالة واضحة بأن الدولة ما زالت عاجزة عن إعادة فرض سيادتها.

وأشارت إلى أن ما يحدث في نيجيريا الآن يتجاوز حدود حادث أو أزمة عابرة، نحن أمام مشهد مركّب يجمع الفقر، والفراغ الأمني، والصراعات العرقية، وضعف البنية الحكومية، وتضارب مصالح الفصائل المسلحة. وحتى الإجراءات الحكومية الأخيرة، رغم أهميتها، تبدو كحلول إسعافية قصيرة المدى ما لم تُعالج جذور المشكلة: العدالة، التنمية، توزيع الموارد، ومحاربة الفساد.

وتابعت “الخطف لم يعد ظاهرة معزولة، بل تحوّل إلى “اقتصاد ظل” قائم على طلب الفدية، إذ تُقدّر حصيلة الفدى المدفوعة خلال السنوات الأخيرة بأكثر من 18 مليون دولار، ما يجعلها مصدر تمويل ضخم للجماعات الخارجة عن القانون. هذا الوضع دفع الحكومة النيجيرية إلى إعلان حالة طوارئ أمنية في عدة ولايات، إلى جانب إطلاق عمليات عسكرية واسعة للسيطرة على المناطق الأكثر توترًا. ورغم ذلك، لا تزال التحديات قائمة بسبب صعوبة التضاريس واتساع الرقعة الجغرافية”.

وأكدت أن نيجيريا تتأثر اقتصاديًا بهذا الوضع بشكل مباشر. فغياب الأمن يعطل الزراعة في الشمال، ويقلل من تدفق الاستثمار، ويزيد الضغط على الحكومة الفيدرالية في ظل أزمة نقدية وارتفاع قياسي لمعدل التضخم الذي تجاوز 30%. كما يعاني السكان من ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، وانخفاض قيمة النايرا المستمر، مما يخلق حالة من القلق الشعبي.

وتابعت: ورغم هذا المشهد الصعب، تبقى نيجيريا دولة ذات إمكانات هائلة، فأسواقها ضخمة، ونشاطها الاقتصادي متنوع، وطاقات شبابها لا تُضاهى، وبينما يستمر المجتمع الدولي والإقليمي في دعوة الحكومة لوضع إستراتيجية شاملة لإنهاء موجة الخطف والعنف، يبقى الأمل قائمًا في أن يعود الاستقرار تدريجيًا إلى بلد يمثل ركيزة أساسية للقارة بأكملها.

واختتمت “قد سعدت خلال زيارتي الأخيرة لمدينة أبوجا العاصمة بأنها مدينة هادئة، جميلة، خضراء وتتمتع بدفء خاص في تفاصيلها، كما بدت لاجوس لي مدينة اقتصادية نابضة بالحياة، آمنة ومزدحمة برجال الأعمال ورواد المشروعات. ومع كل ما تمر به البلاد، أتمنى أن يعمّ السلام والأمان على نيجيريا، أكبر تجمع سكاني في إفريقيا، وأن تستعيد مكانتها التي تستحقها في قلب القارة”.