لازم أتكلم
المؤشرات تؤكد أنه لا نية لإلغاء الانتخابات كلها وتأجيلها عامًا أو أكثر؛ لحين تعديل قانون الانتخاب وإلغاء نظام القائمة المطلقة، والعودة إلى نظام الفردى، وإلقاء النظام المختلط فى مذبلة التاريخ.
فرغم استمرار هيمنة المال السياسى على مجريات المرحلة الثانية، وضبط مخالفات صارخة ستكتفى بالمسكنات، وإلقاء القبض على أنصار بعض مرشحى أحزاب الموالاة (مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهورى) والمستقلين الذين اشتروا أصوات المصريين علنًا بأرخص الأثمان.
ولكن ربما ترى الهيئة أن المصلحة العليا للنظام والدولة هى الاستمرار فى الانتخابات، وتجاوز التشوهات والسلبيات، حتى لا يتحمل المصريون مجددا فاتورة إعادة الانتخابات (7 مليارات جنيه) والتكلفة الاقتصادية الباهظة، الناجمة عن الإلغاء والتأجيل.
إن الهيئة الوطنية فى موقف حرج وصعب، ما بين ضغوط الشعب ورغبته فى الإلغاء وبين ما يريده مهندسو الانتخابات. ولكن على الأرجح ستسير الأمور نحو الاستمرار على طريقة (مجبر أخوك لا بطل) انتظارا لنتائج الطعون على الانتخابات، وهى وحدها كفيلة باسقاط البرلمان المقبل؛ إذا ما توفرت الإرادة السياسية لذلك.
وعلى الطرف الآخر.. الناس يتساءلون.. إذا استمرت الانتخابات.. ما هى شرعية البرلمان المطعون على نتائجه ودستوريته؟ والمشكوك فى نسبه قبل أن يولد؟ فهناك دوائر أُلغيت بالكامل، وهناك نحو 300 طعن على نتائج المرحلة الأولى فقط، ولا ندرى كم سيصل رقم الطعون فى العملية كلها حتى يناير المقبل؟! وهى أرقام تاريخية لم يتلقها أى برلمان فى تاريخ مصر الحديث، وتعكس دلالات خطيرة، قد تؤدى فى النهاية إلى ما لا يحمد عقباه وتعيد البلاد إلى أحداث أليمة عاشها المصريون أعقاب برلمان التوريث المزيف؛ الذى أدى إلى اندلاع ثورة استغلتها جماعة الإخوان أسوأ استغلال.
الوضع الحالى للعملية الانتخابية لا يخدم مصر مطلقا، داخليا وخارجيا، ولذا فإنى من مؤيدى نظرية هدم المبنى، وإنشاء آخر بتصميم جديد ينبع من رغبة ورؤية المصريين الوطنيين، لا أصحاب المصالح والمنافع والمنافقين وتجار الاستحقاقات الانتخابية، الذين نجحوا وبكل أسف فى اختراق الأحزاب وتغيير هويتها وكسر شوكتها بالمال السياسى.
إن ما شهده الشعب المصرى من تدخل سافر فى العملية الانتخابية، وما نتج من فقدان كبير لثقة الناخب، وشعوره بعدم وجود أية قيمة لصوته، سيصيب العملية السياسية برمتها فى مقتل خلال السنوات الخمس المقبلة، وهى سنوات مهمة للغاية حيث ستنتهى معها ولاية الرئيس، ونصبح أمام معضلة كبرى تتطلب تعديل الدستور؛ لتعديل الفترة الرئاسية وتركها دون تحديد أو التمديد فترة جديدة على طريقة أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان.
وقد يرى البعض أن البلاد بوضعها الاقتصادى المنهار، وبما يحيطها من ظروف سياسية وعسكرية وأمنية إقليمية ودولية لا تستطيع تحمل أي هزات تطيح بما حققته من إنجازات، وأنه لا يوجد أفضل من السيسى رئيسًا لمواصلة المسيرة وحماية الدولة من المتربصين والأعداء.
ومع هؤلاء الحق فيما يعتقدون ويفكرون قياسًا بما تشهده دول الجوار والمنطقة من عدم استقرار بسبب التفكك والصراعات والحروب الأهلية الدامية، فى السودان واليمن وليبيا وسوريا، وما يشهده العالم من ولادة متعثرة لنظام عالمى جديد تحكمه المصالح فقط، دون أدنى اعتبار للقيم والمبادئ الإنسانية، ولا لأى التزام بالمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية.
وعلى عكس هؤلاء أرى أن مواصلة السير بالمجلس الحالى عامًا جديدًا أشرف وأفضل، وهذا بيد الرئيس الذى منحه الدستور حق دعوة المجلس للانعقاد إذا ما اقتضت الضرورة ذلك؛ ليصبح لمصر برلمان قوي قادر على توجيه بوصلة النظام سياسيا وتشريعيا فى الاتجاه الصحيح. ويبقى السؤال: هل تفعلها الهيئة الوطنية للانتخابات؟ أم سيقول الشعب «مفيش فايدة».