الناصية
أنهت الصين زمن المستحيلات السبع والعجائب السبعة.. وأصبحت هى المستحيل الوحيد والعجيبة الوحيدة فى العالم.. وبعد واحد وعشرين قرنًا عاشتها البشرية مع هذه الأساطير الخرافية.. خرجت الصين من قمقمها القديم إلى العالم أول مرة عام 1949، وكأنها الجنى الذى كان محبوسًا داخل «الفانوس السحرى» فى فيلم إسماعيل ياسين، أو مصباح علاء الدين فى حكايات ألف ليلة وليلة!
الغريب أن مصر والصين مشتركتان فى أهم شيئين مميزين دون بقية دول العالم.. أولاً الحضارة، فالصين مثل مصر من أقدم الحضارات العريقة التى عرفتها البشرية عبر التاريخ، وامتد تأثيرهما واتصالهما بغيرهما من الحضارات، كما استمرا فى التطور والنمو حتى أوقفتهما الحروب والغزوات الخارجية والاحتلال الأجنبى.. أما المشترك الثانى هو قيام الثورات فى البلدين فى توقيت واحد.. ففى الخمسينات من القرن الماضى وتحديدًا فى نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات شهدت الصين نقلة سياسية كبيرة مع تولى ماو تسى تونج حكم الصين منذ عام 1949 وحتى وفاته عام1976، وفى مصر تولى جمال عبدالناصر بعد ثورة 1952 رئاسة مصر حتى وفاته فى عام 1970.
ومثلما فعل ماو إنجازات للشعب الصينى لا أحد ينكرها، فعل أيضًا كوارث راح ضحيتها 30 مليون منهم، كذلك عبدالناصر صنع إنجازات للشعب المصرى واقعية ومعنوية، كذلك كوارث لم نعرف عدد ضحاياها حتى الآن!
وبعيدًا عن مصر التى توقفت لأسباب نعلمها وأخرى لا نعلمها لعدم دراستها علميًا حتى الآن.. انطلقت الصين بالعلم والمعرفة كالصاروخ فى كل مجالات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا حتى أصبحت فى سنوات قليلة القوة العالمية الثانية بعد أمريكا وكأنها الجنى الذى خرج من فانوس إسماعيل ياسين أو من مصباح علاء الدين!
ومن يومها صارت الصين كالساحر المعجون بماء العفاريت الذى تمكن من الهروب من الحواديت الخرافية واستطاع فعل كل شىء وأى شيء.. صناعة أصغر لعبة أطفال إلى أكبر الطائرات والصواريخ والقطارات.. مصانع صغيرة ومتوسطة وكبيرة لا حصر لها، ومزارع ممتدة لا تنتهى، وصناعات خفيفة وثقيلة، وإنتاج لا يتوقف ونسب نمو لم تحققها دولة من قبلها ولن تحققها دولة بعدها.. سبقت أوروبا وأمريكا وروسيا فى التكنولوجيا والتقنيات والأسلحة الذرية والنووية والهيدروجينية.. إنجازات لو ادعى ساحر أو جنى أو عفريت أزرق إنه يستطيع أن يفعلها لقلنا عليهم مجانين وراحوا مستشفى العباسية!
والحقيقة أن الصين ليست دولة مجانين.. ولا من الجن أو العفاريت ولكن ببساطة لديها أفضل المزارعين وأمهر العمال وأذكى العلماء.. وكلهم معًا نجحوا فى أن تغزو دولتهم كل دول العالم بالعلم والعمل بدون أسلحة وحروب وضحايا.. ولذلك ليس عجيبًا أنه لا يوجد منزل فى العالم يخلو من منتجات صنعت فى الصين.. وهذه حقيقة فريدة لم تسبقها إليها دولة من قبل، وتكاد تكون الدولة الوحيدة فى العالم التى يوجد لها فى كل بيت منتج من صنعها سواء كانت لعبة أطفال أو سيارة متطورة، وأتحدى ألا يكون فى البيت الأبيض الأمريكى منتجات مصنوعة فى الصين.. وقد لا يعلم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يحاول الحد من نفوذ الصين فى أمريكا والعالم أنه ينام أو يتغطى مثله مثل أفقر واحد فى أصغر بيت فى أبعد قرية بملايات صينية مطبوع عليها MADE IN CHINA!