لعل وعسى
قبل 15 عاماً، كانت مجموعة العشرين تقدم باعتبارها «لجنة إدارة العالم»، إلا أن هذا المشهد تغير جذرياً، فالمجموعة التى تمثل نحو 85% من الناتج العالمى، و75% من التجارة، لم تعد قادرة على إنتاج توافقات سياسية، بينما يتشكل عالم جديد تتوزع فيه مراكز القوة خارج مظلتها. هذا التراجع يعكس تحولا هيكليا عميقاً فى بنية الحوكمة الدولية. وأن التوترات الجيوسياسية حولت القمم من منصات للتفاوض إلى ساحات لعرض المواقف. كذلك فإن الإستقطاب الأميركي - الصينى بلغ مستوى يعرقل أى اتفاق، تزامن هذا مع حده الصراع فى أوكرانيا، والتى عمقت الشرخ بين الغرب وروسيا، هذه الأسباب مع غيرها أدى إلى «شلل شبه كامل» فى قدرة المجموعة على تمرير بيانات ختامية ذات مضمون. وهو ما تجلى فى قمة نيودلهى 2023،والتى لم تستطع صياغة موقف واضح بخصوص الحرب فى أوكرانيا مثلاً، فضلاً على أن القادة المشاركين فى قمم مجموعة العشرين باتوا أسرى حسابات داخلية.ولكن ما يحتاج للملاحظة هو إتساع الفجوات بين النماذج الاقتصادية، فالاقتصادات المتقدمة تميل إلى مقاربات السوق المفتوحة، بينما تعتمد الإقتصادات الناشئة الكبرى – مثل الصين والهند- على نماذج هجينة أو موجهة. هذا التباين يجعل الاتفاق بعيد المنال. كذلك فإن ما يحتاج للملاحظة والتفسير، أن تركز الثروة لدى أصحاب المليارات فى دول المجموعة زاد بوتيرة تفوق نمو دخول الطبقات المتوسطة والفقيرة بعشرات المرات.وهو ما يجعلنا أكثر ثقة بأن توسع «البريكس بلس» فى 2024 ليضم مصر ومجموعة من الاقتصادات الناشئة،يشكل بداية تحول إستراتيجى فى توازن القوى. وذلك عبر: توسع التجارة بالعملات المحلية وتقليص الإعتماد على الدولار. فضلاً عن اعتماد تطوير سبل بديلة للتمويل الدولى، مستنداً على خطاب سياسى يتمحور حول استقلال الجنوب العالمى.
وقد جاء الاجتماع العشرين لقمة مجموعة العشرين فى جوهانسبرج، بجنوب افريقيا، الأسبوع الماضى، نقطة انطلاق نحو تدارك الاتجاهات السلبية السابقة عبر مناقشة مجموعة الأولويات التالية: أولا: النمو الاقتصادى الشامل، والحد من عدم المساواة. ثانياً: الأمن الغذائى.ثالثا:الذكاء الاصطناعى والإبتكار من أجل التنمية المستدامة. وقد دعت مصر عبر مشاركة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى فى قمة العشرين،مجموعة العشرين إلى الاضطلاع بدور قيادى فى تحسين دور بنوك التنمية متعددة الأطراف، وإتاحة فرص الاستثمار لتحقيق الانتقال العادل، فضلاً عن تشجيع الدول المتقدمة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتمويل المناخ والمساعدات الإنمائية الرسمية. مع التأكيد على أن إنعدام الأمن الغذائى العالمى لا يزال من بين أكثر التحديات فى عصرنا.
ونرى أن العالم يدخل مرحلة إنتقالية يتراجع فيها نموذج القيادة الموحدة، ويحل محله نظام متعدد الأقطاب يفتقر لجهة تنسيق مركزية، لذا نتوقع من مجموعة العشرين، تداركا لخطورة الأوضاع السابقة على بقائها، أن تزيد من آليات الحل السلمى للنزاعات الدولية، مع العمل على تنفيذ اتفاق باريس بشأن التغيرات المناخية،والذى يشكل نقطة تحول مفصلية، لاسيما وأن الدول النامية بحاجه إلى ما بين 5.8 و5.9 تريليون دولار، لتنفيذ التزاماتها المناخية بحلول عام 2030، ايضاً نتوقع قيام المجموعة بمعالجة معضلة توفير الطاقة،كأحد أهم التحديات التى تواجه التنمية المستدامة للدول. حيث يعانى أكثر من 600 مليون شخص فى القارة لا يحصلون على الكهرباء، ويفتقر أكثر من مليار شخص لوسائل الطهى النظيفة،مما يتسبب فى وفاة نحو مليونى شخص سنوياً. وهو ما يعنى بالضرورة قيام مجموعة العشرين بمواجهة أزمة الأمن الغذائى، والتى تشير معها التقارير الدولية بأن ما يقرب من 318 مليون شخص سينضمون، إلى ما يقرب من 720 مليون شخص يعانون الجوع حول العالم خلال عام 2025. وبالتالى فإننا نرى أن مستقبل المجموعة يعتمد على قدرتها على التحول إلى منصة للتفاوض الحقيقى، بدل الاقتصار على البيانات الختامية، وأن تكون الرسالة الأهم هى ضرورة أن تضطلع دول المجموعة بدور مؤثر لمواجهة التحديات العالمية الحالية.وإذا لم تتكيف المجموعة مع هذا الواقع، الذى يفرض إطار للمسئولية المشتركة، بصورة تجعل جميع الدول تواجه مصيرا واحداً، فإن قواعد النظام الجديد ستتشكل بالفعل خارج قاعاتها. وللحديث بقية إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام