رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

ماذا حدث للمصريين؟

الجرائم البشعة نشوة المجتمع

بوابة الوفد الإلكترونية

حكايات لايصدقها عقل..وقسوه بلارحمة

الاجرام لم يعد يعرف عمراً.. والطفولة ودعت البراءة

 اتساع التفكك الاسري ..وانتشار الشك والخيانه والطمع

 

فى البيوت والشوارع، حوادث قتل بشعة، والجناة من كل الأعمار، آخرها بمنطقة كرموز بالإسكندرية، شهدت مقتل شاب على يد صديقه بـ7 طلقات نارية، وقبلها أب يدهس رأس طفلته بقدميه، وكارثة مقتل ٣ أطفال وأمهم بمنطقة اللبينى بالجيزة.. كلها حوادث تطرح سؤالا هاما: ماذا جرى للناس فى مصر.. وما كل هذه الجرائم بتفاصيلها البشعة التى لا يصدقها عقل.. جرائم غريبة على المجتمع المصرى ولا تتسق مع القيم والأخلاقيات المعروفة عن المصريين.

قلوب قاسية أشبه بالحجارة وأرواح فقدت قدرتها على الرحمة وغابت عنها الضمير، هذه الحوادث والجرائم لم نكن نراها فى شوارعنا من قبل، ولا يمكن أن يصدقها عقل.. فلماذا وصلنا إلى هذا المنحدر؟.. وهل هناك جديد غيّر فى المجتمع حتى أصبحت القسوة جزءًا منه؟.. أم أنها مجرد حوادث عادية تقع فى جميع المجتمعات وسط الزخم البشرى؟

حوادث غريبة

إنها بالفعل حوادث غريبة على مجتمعنا الذى كنا تتفاخر بطيبة أهله وتدينه ودفء المحبة والسلام داخله، فما حدث مثلا فى اللبينى بمنطقة فيصل شىء جديد على المجتمع أن تترك زوجة زوجها وتأخذ أبناءها الثلاثة لتبدأ حياة جديدة مع عشيقها، حسب رواية العشيق، فينتهى الأمر بمأساة بإنهاء حياتها وحياة الصغار على يده الذى زعم خلال التحقيقات أنها كانت على علاقة به قبل أن يكتشف سوء سلوكها فيقرر التخلص منها وأبنائها.

والحادث اكتُشف من كاميرات المراقبة والتى كانت الخيط الأول لكشف تفاصيل لغز صغار فيصل (سيف ١٤ سنة، وجنى ١٢ سنة) تخلص منهما القاتل فى أحد مداخل العقارات بعد سمهم وبعدها تخلص من شقيقهما الأصغر "مصطفى" فى إحدى الترع.

لكن على الجانب الآخر، أكد جد الأطفال (والد الأب) فى تصريحات أن الضحية كانت شريفة ولم تكن على علاقة مشبوهة بأحد، مطالبا بعدم الإساءة إلى سمعتها بعد موتها.

حادث الدقهلية

الأمر لم يختلف كثيرا على حادث الدقهلية حيث لقى غفير فى إحدى قرى مركز بلقاس مصرعه على يد زوجته، الضحية يبلغ من العمر 46 عامًا، وزوجته تبلغ 33 عامًا، وقعت فى علاقة غير شرعية مع شاب يصغرها بأكثر من عشر سنوات، وبدأت تفكر فى التخلص من زوجها لتعيش مع عشيقها. فى ليلة الجريمة، بيّت المتهمان النية للتخلص منه وبالفعل قام العشيق بضربه على الرأس، بينما كانت الزوجة تشارك بطعنات متتالية فى ظهره، حتى سقط أرضا غارقا فى دمائه.

وحين استغاث الزوج بزوجته قبل أن يلفظ أنفاسه، قالت فى اعترافاتها: «ضربته بأداة حادة، لكنه كان لسه فيه الروح.. وعشيقى خلص عليه بالفأس، بصّ لى وهو بيموت وقال لى: خلى بالك من عيالنا.. وبعدها مات فى حضنى».

السفاح الصغير

فى الإسماعيلية، ما زالت منطقة المحطة الجديدة لم تهدأ من بشاعة جريمة الطفل الذى لم يتجاوز 13 عاما ويقتل زميله ويقطع جثته باستخدام المنشار الكهربائى داخل منزله، وكشفت التحريات أن الجانى استدرج صديقه بحجة أخذ مبلغ مالى، ثم اعتدى عليه حتى فارق الحياة، قبل أن يحاول إخفاء معالم الجريمة بتقطيع الجثة وإلقاء أجزائها فى أماكن متفرقة بالقرب من منطقة كارفور.

جرائم قتل

جرائم كثيرة منها من يقتل ويخفى جثمان زوجته بالأسمنت ويقوم ببناء سور فوقها لإخفاء الأمر واكتشف أمره حارس العقار بعد العثور على عظام أثناء توسعة لغرفته.

وأخرى تلقى بنفسها من الطابق الثامن بعد خلاف مع زوجها، حوادث متتالية ورغم اختلاف تفاصيلها إلا أنها يربطها خيط واحد وهو غياب الرحمة وتراجع القيم الإنسانية، كل هذه الجرائم تفتح باب التساؤلات عن ماهيتها وأسبابها والدوافع النفسية والأخلاقية والاجتماعية وراء ارتكابها ومخاطرها على المجتمع وأمنه واستقراره.

وفى الشرقية قام ٤ طلاب بالصف الأول الثانوى بقتل زميلهم فى مشاجرة أمام مدرسة الألفى الثانوية للبنين بمنيا القمح وتم القبض عليهم.

إحصائيات رسمية

وفقًا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعام 2024، ارتفعت حالات القتل العمد بنسبة 12% مقارنة بالعام السابق، كما تشير دراسة وزارة التضامن الاجتماعى فى 2024 إلى أن 35% من النساء تعرضن لشكل من أشكال العنف الأسرى، بينما شهد 40% من الأطفال حالات عنف داخل الأسرة.

ودراسة أخرى بجامعة القاهرة أظهرت أن 60% من الشباب بين 18 و30 عامًا يتابعون محتوى عنيفًا على وسائل التواصل الاجتماعى يوميًا، مما يؤثر على سلوكهم وتصوراتهم عن العلاقات الاجتماعية.

بذرة العنف

قال الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، إن الجرائم الأسرية التى شهدها المجتمع المصرى مؤخرا ما هى إلا انعكاس مباشر لاضطرابات نفسية وتربوية عميقة، مشيرا إلى أن الجريمة لا تولد فجأة، بل هى نتيجة تراكمات تمتد من طريقة التنشئة الأولى داخل الأسرة.

وأوضح أن كثيرًا من مرتكبى الجرائم تربوا فى بيئات قاسية تفتقد للحوار والاحتواء، فتعلموا أن العنف هو وسيلة التواصل الوحيدة.

قائلا.. «اللى اتربى على الضرب والشتيمة والإهانة بيطلع مشبع بالعنف»، مضيفا أن هؤلاء عندما يكبرون يعيدون إنتاج نفس السلوك داخل أسرهم الجديدة، فيتحول العنف إلى حل جاهز لأى خلاف، وقد يتطور فى لحظة غضب إلى جريمة قتل.

وأشار إلى أن هناك عوامل نفسية أخرى تزيد من احتمالية العنف، أبرزها الإحباط المستمر والضغوط المادية، وفقدان الإحساس بالانتماء الأسرى والاجتماعى، إلى جانب تراجع جودة الحياة، وغياب الدعم النفسى والتنفيس الانفعالى، وهو ما يجعل البعض أكثر قابلية للانفجار، وأن تفكك العلاقات الأسرية وضعف الروابط الاجتماعية ساهم أيضًا فى هذه الموجة من العنف، فصار الأخ لا يعرف أخاه، والجار لا يهتم بجاره، ما خلق فراغًا عاطفيًا واجتماعيًا كبيرًا.

وأضاف أن تعاطى المخدرات يمثل عاملا خطيرا فى تفشى هذه الجرائم، موضحا أن مصر تضم أكثر من 21 مليون شخص يتعاملون مع المواد المخدرة بدرجات مختلفة، وأن المخدر يخلق غيبوبة حسية وانفصالًا عن الواقع، فيفقد المتعاطى السيطرة على انفعالاته، وقد يقتل دون وعى.

وأوضح «هندى» أن الضغوط الاقتصادية لا يمكن إنكارها، لكنها ليست السبب الوحيد، بل هى عامل مساعد مع الانحدار القيمى والثقافى، مؤكدًا أن المجتمع يحتاج إلى إعادة إحياء القيم الدينية والإنسانية التى تحفظ الإنسان من الانحدار الأخلاقى.

ولفت إلى أن بعض الشخصيات التى ترتكب جرائم أسرية تعانى من اضطرابات فى الشخصية، مثل الشخصية العدوانية أو السادية أو السيكوباتية، التى تجد متعة فى إيذاء الآخرين، وغالبًا ما تكون نتاج طفولة مضطربة مليئة بالقسوة والحرمان العاطفى.

كما حذر استشارى الصحة النفسية من تأثير المحتوى العنيف على الأطفال والمراهقين، مؤكدًا أن الإفراط فى مشاهدة مشاهد الدماء والقتل على الشاشات يفقدهم الإحساس بالتعاطف ويجعلهم أكثر ميلًا لتقليد السلوك العدوانى. موضحًا أن «مشاهدة الأطفال للمحتوى العنيف تجعلهم يتوحدون نفسيًا مع المعتدى، فيرونه رمزًا للقوة والسيطرة».

وشدد هندى على أن «مواجهة العنف تبدأ من الجذور ومن التربية السليمة، ومن احتضان الأطفال بدلًا من تركهم أمام الشاشات، ومن دعم الأسرة لا انهيارها، لأن الرحمة لم تعد رفاهية بل صارت ضرورة لحماية المجتمع».

الإعلام ليس الجانى الوحيد

وفى هذا السياق استكملت الحديث الدكتورة سارة فوزى، أستاذ الإعلام الرقمى والإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، قائلة إن تحميل الإعلام وحده مسؤولية انتشار العنف فى المجتمع يعد تبسيطًا للأزمة، مشيرة إلى أن «الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى عاملان مؤثران بالفعل، لكنهما ليسا السبب الجوهرى وراء تصاعد السلوكيات العدوانية».

وأكدت «فوزى» أن جذور المشكلة أكبر وأعمق من ذلك، موضحة أن «العنف بات ممتدًا داخل المدارس وبين الأزواج وداخل بعض الأسر، ما يعكس خللًا فى البنية التربوية والنفسية والاجتماعية، وأن غياب البعد التربوى والدينى عن مؤسسات التعليم، وعدم وجود أخصائيين نفسيين يتابعون الطلاب بشكل منتظم، ساهم فى تفاقم الأزمات النفسية والسلوكية لدى الشباب، ما جعل بعضهم أكثر قابلية للتأثر بأى مشهد عنيف أو محتوى تحريضى».

وأضافت أن تأثير الإعلام يكون أشد على الأطفال والمراهقين تحديدًا، لأنهم ما زالوا فى مرحلة التكوين والتنشئة، لافتة إلى أن الأفلام العنيفة مثلا تخلق لدى البعض ميلا لتقليد العنف فى الواقع.

ودعت أستاذ الإعلام الرقمى والإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام إلى ضرورة أن تتجه الدراما إلى تقديم نماذج إيجابية تعزز قيم الرحمة والتكافل، وتبرز مبادرات الخير والعمل المجتمعى، مشيرة إلى أهمية تنويع المحتوى ليشمل الدراما التاريخية والعلمية والاجتماعية التى تعيد التوازن الذهنى للمشاهد.

كما انتقدت ما وصفته بغياب أخلاقيات النشر فى بعض وسائل الإعلام، موضحة أن تفاصيل الجرائم تنشر أحيانا بشكل صادم ومبالغ فيه، ما يؤدى إلى تمجيد الجناة بشكل غير مباشر، ويغرى مراهقين آخرين بتقليدهم سعيًا للشهرة.

وختمت حديثها بالتأكيد أن الإعلام يلعب دورًا مزدوجًا، فهو ينقل الواقع، لكنه فى الوقت نفسه يضفى عليه طابع الإثارة، مما يستدعى تقنين عملية نشر الجرائم بحيث نبلغ دون أن نثير أو نطبع العنف فى عقول الناس.

الوازع الدينى

وعلى الجانب الآخر قال الدكتور أحمد متولى سعد، أستاذ التربية بجامعة الأزهر، إن ما يشهده المجتمع من تفشى للعنف والقسوة ما هو إلا انعكاس لخلل تربوى عميق داخل الأسرة، وضعف واضح فى الوازع الدينى، مشيرًا إلى أن التربية الحديثة فقدت جوهرها الإنسانى، فغياب التواصل العاطفى بين أفراد الأسرة خلق أجيالًا تعانى انعدام الإحساس بالأمان والانتماء.

وأشار إلى إن الأسرة فى الماضى كانت المدرسة الأولى للرحمة والاحترام والانضباط، أما اليوم فقد استبدلت جلسات الود والحوار بانشغال دائم بالشاشات وضغوط الحياة، فصار الأبناء يتلقون قيمهم من الإنترنت بدلًا من البيت، ومع غياب القدوة تلاشت لغة الرحمة.

وأضاف أن انشغال الوالدين بتأمين احتياجات المعيشة جعل الكثيرين يغفلون عن أبنائهم فى مراحل التكوين الأولى، وهى أخطر المراحل فى بناء الشخصية، فغاب عن الأطفال التوجيه السليم، وتحول الغضب والعنف إلى وسيلة للتعبير عن الذات.

وأشار إلى أن وسائل الإعلام والدراما لعبت دورا كبيرا فى ترسيخ صور العنف فى أذهان الشباب، فمشاهد القتل والانتقام تقدم فى قوالب ترفيهية، حتى أصبحت مألوفة فى الوعى الجمعى، مما أدى إلى عدم الإحساس، كما أن ضعف الخطاب الدينى ساهم بدوره فى انتشار هذه القسوة، إذ تحول الدين لدى بعض الناس إلى طقوس شكلية لا تترك أثرا فى السلوك أو الأخلاق، موضحًا أن الدين فى جوهره تربية للقلب قبل أن يكون أداء للشعائر.

مشيراً إلى أن علاج الظاهرة يبدأ بإحياء قيم الرحمة والرفق وضبط النفس، من خلال تكامل أدوار الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام فى بناء الإنسان أخلاقيا وروحيا، مستشهدا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ فى شىءٍ إلا زانَه، ولا يُنزعُ من شىءٍ إلا شانَه»، وبقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، مؤكدًا أن الإسلام فى جوهره رسالة سلام ورحمة، لا قسوة وعنف.