في محافظة القاهرة
الإطاحة برؤساء الأحياء ثمن النجاح
تعيش محافظة القاهرة حالة من التخبط الإدارى الواضح، بعد سلسلة من القرارات المتناقضة التى أصدرها الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، تحت شعار «تجديد الدماء والاستفادة من الكفاءات»، بينما جاءت النتائج على الأرض عكس ذلك تمامًا.
ففى الوقت الذى يفترض فيه أن تكون الاستمرارية والاستقرار الإدارى هما أساس التطوير، أقدم المحافظ على إصدار حركة تنقلات بين سكرتيرى الأحياء، شملت تعيين عدد من القيادات المعروفة بخبرتها الميدانية فى مناصب أقل، بعد أن كانوا رؤساء أحياء لسنوات طويلة وبذلوا جهودًا واضحة فى مواقعهم السابقة.
شملت الحركة تكليف شريف محمد شريف مكاوى سكرتيرًا لحى حلوان، وإسلام سيد إسماعيل سكرتيرًا لحى السيدة زينب، ومحمد محجوب سالم سكرتيرًا لحى المرج، وأحمد محمد محمدى سكرتيرًا لحى الزيتون، ووليد حسنين عبد المنعم سكرتيرًا لحى الشرابية، وآخرين، فى وقت كان فيه هؤلاء يشغلون مناصب رؤساء أحياء ويقودون العمل الميدانى بأنفسهم.
الأدهى أن هذه القيادات تمت الإطاحة بها دون وجود أى أزمات أو مخالفات أو قرارات رقابية أو قضائية ضدهم، ما يجعل القرار بلا مبرر موضوعى للرأى العام، ويطرح تساؤلات حول المعايير التى تعتمدها المحافظة فى تقييم الكفاءات وتوزيع المناصب.
المفارقة الأكبر أن المحافظ نفسه كان قد أصدر فى منتصف عام 2024 قرارًا بندب شريف محمد شريف مكاوى (بدرجة مدير عام) للقيام بأعمال رئيس حى غرب مدينة نصر، بعد نقله من حى دار السلام، وهو ما يعكس تضاربًا واضحًا فى القرارات، وغياب أى دراسة موضوعية أو خطة واضحة فى إدارة العاصمة.
الأخطر أن رؤساء الأحياء الذين تم تحويلهم إلى سكرتيرى أحياء لم يعودوا قادرين على اتخاذ قرارات تنفيذية أو إدارية أمام رؤساء أحياء جدد جاءوا من الخارج لا يملكون الخبرة الكافية بطبيعة العمل المحلى ولا يدركون حجم المسئوليات اليومية داخل الأحياء.
هذا الوضع خلق حالة من الشلل الإدارى داخل بعض المناطق، وأدى إلى تعطيل سير العمل، لأن القيادات القديمة أصبحت مكبّلة، فيما يجد المسئول الجديد نفسه أمام واقع لا يفهمه بالكامل.
وكانت النتيجة انعدام الاستقرار، وتراجع الكفاءة، وغياب الإحساس بالأمان الوظيفى بين القيادات، وهو ما يفتح الباب أمام الفساد الإدارى والصفقات المشبوهة، فى ظل حالة من الغموض والتردد داخل المحافظة.
قرارات تصدر بلا رؤية ولا تقييم حقيقى لأداء القيادات، تتسبب فى إهدار خبرات تراكمت عبر سنوات من العمل الميدانى، وتحرم المواطنين من خدمات مستقرة تعتمد على قيادات تعرف شوارعها ومشكلاتها.
أكد مصدر مسئول بمحافظة القاهرة، أن حركة التنقلات الأخيرة التى أجراها المحافظ الدكتور إبراهيم صابر بين سكرتيرى الأحياء لم تأتِ فى إطار تطوير الأداء كما تم الإعلان، بل كشفت عن إقصاء عدد من الكفاءات التى كانت تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، وقال المصدر إن قرارات الإطاحة ببعض العناصر الناجحة داخل المنظومة تمت دون أى أسباب موضوعية أو مبررات رقابية أو قضائية، وهو ما أثار تساؤلات واسعة داخل ديوان المحافظة وعدد من رؤساء الأحياء.
وأوضح المصدر، فى تصريح خاص لـ«الوفد» أن بعض الأسماء التى شملتها الحركة كانت من العناصر المشهود لها بالكفاءة والانضباط، ولم يسبق توجيه أى ملاحظات فنية أو إدارية ضدها، بل كانت تتعامل مع الملفات الميدانية بشفافية وتحقق انضباطًا فى الشارع، وأضاف أن القرارات صدرت بشكل مفاجئ وبدون مقدمات أو تحقيقات، ما يؤكد أن الأمر لم يكن بدافع تقويم الأداء، بل أقرب إلى تصفية حسابات داخلية أو ضغوط شخصية مُورست على متخذى القرار.
وأشار إلى أن تلك الحركة خلقت حالة من الإحباط داخل عدد من الأحياء التى فقدت كوادر مؤهلة قادرة على التنفيذ والمتابعة الميدانية الدقيقة، لافتًا إلى أن الإطاحة بهم تمت «فى هدوء تام»، دون أن تصاحبها أزمات أو اعتراضات، احترامًا منهم للمناصب التى شغلوها ولسياسات الدولة فى الحفاظ على الانضباط المؤسسى، وختم المصدر تصريحه بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى معايير واضحة لاختيار القيادات، تقوم على الكفاءة والإنجاز لا على العلاقات أو المجاملات الشخصية، حتى تستعيد المنظومة المحلية قدرتها على خدمة المواطن وتحقيق الانضباط فى العاصمة.