تعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن احتمال استئناف التجارب النووية واحدة من أكثر الإشارات إثارة للجدل في المشهد الدولي المعاصر، إذ إنها تعيد إلى الأذهان عقود الحرب الباردة وما رافقها من سباق محموم نحو التسلح النووي الذي كاد في أكثر من مرة أن يجرّ العالم إلى حافة الفناء.
من الناحية السياسية، تبدو تصريحات ترامب جزءًا من خطاب الضغط والمساومة الذي اعتاده الرجل في مفاوضاته، سواء مع الخصوم أو حتى مع الحلفاء، لكنها من الناحية الاستراتيجية تثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل نظام الردع النووي العالمي والالتزامات الدولية المنصوص عليها في معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، فإعادة فتح هذا الباب المغلق منذ عقود لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل رسالة مقلقة للعالم بأسره بأن ميزان القوى قد يُعاد رسمه بالقوة لا بالدبلوماسية.
الخطر الأكبر لا يكمن في التجربة النووية بحد ذاتها، بل في ما تجره من ردود فعل متسلسلة، فإعلان واشنطن نيتها استئناف التجارب سيمنح مبررًا جاهزًا لدول أخرى مثل روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية لاستئناف برامجها التجريبية تحت شعار “الحق بالمثل”.
ومع غياب الثقة الدولية وتراجع فعالية المؤسسات الأممية، فإن العالم قد يجد نفسه أمام سباق تسلح جديد، أشد تعقيدًا وأكثر كلفة مما شهدناه في القرن العشرين.
من المؤسف أن هذه التصريحات تأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى تعزيز منظومة الأمن الجماعي لا تقويضها، وإلى الاستثمار في الدبلوماسية ونزع السلاح لا إعادة إحياء شبح الحرب النووية، فالمعادلة اليوم لم تعد تقوم على من يمتلك السلاح الأقوى، بل على من يمتلك الرؤية الأبعد لإنقاذ الكوكب من العبث السياسي الذي يهدد بقاء الإنسانية نفسها، والعالم لا يحتمل تجربة نووية جديدة، لا على الأرض ولا في السياسة.
ويبقى السؤال الذي يجب أن يواجهه كل صانع قرار:"
هل سنظل نُعيد إنتاج الخوف ذاته بأسماء جديدة، أم آن الأوان لنتعلم من دروس التاريخ قبل أن يُعيد التاريخ نفسه بثمنٍ لا يُحتمل؟"