للفلاح والماشية..
انطلاق بشائر موسم الخير.. محصول البرسيم يكسو حقول البحيرة
مع بداية شهر نوفمبر من كل عام تتزين الأراضي الزراعية بمحافظة البحيرة بلونها الأخضر الزاهي إيذانا بانطلاق موسم حصاد البرسيم الشتوي، أحد أهم المحاصيل العلفية التي يعتمد عليها الفلاح المصري لتغذية الماشية وتحسين إنتاج الألبان واللحوم خلال فصل الشتاء.
ومع دخول فصل الشتاء تتزين قرى البحيرة بلونها الأخضر الجميل، حيث بدأت حقولها تستقبل محصول البراسيم الذي يعد من أهم المحاصيل الشتوية والعلفية في مصر، لما له من أهمية كبيرة في تغذية الماشية وزيادة إنتاج الألبان واللحوم، فضلًا عن كونه مصدر رزق رئيسي لآلاف المزارعين.
ويعد البرسيم من المحاصيل الاستراتيجية التي تمثل ركيزة أساسية في المنظومة الزراعية بمحافظات الدلتا، وخاصة البحيرة، لما تتميز به من أراضٍ خصبة ومناخ معتدل يساعد على تحقيق إنتاجية مرتفعة وجودة متميزة.
ففي قرى مراكز دمنهور، المحمودية ورشيد ، وإيتاي البارود، والرحمانية، بدأت الحقول تموج بمشاهد الحصاد التي تعبر عن موسم خير وعطاء جديد، حيث يتوافد المزارعون مع ساعات الصباح الأولى إلى أراضيهم وهم يحملون أدواتهم ووجوههم تعلوها ملامح الرضا والفرحة بمحصول وفير هذا العام.
ويعد البرسيم المصري، بحسب تأكيدات خبراء الزراعة، من أجود أنواع الأعلاف على مستوى العالم، نظرا لغناه بالبروتينات والعناصر الغذائية اللازمة للحيوانات، فضلا عن قدرته على تحسين خصوبة التربة وزيادة معدلات إنتاج المحاصيل اللاحقة، كما أنه يمثل مصدر دخل ثابت للفلاحين خلال فصل الشتاء، نظرا لإمكانية جزه أكثر من مرة في الموسم الواحد، مما يجعله محصولا اقتصاديا مربحا ومستداما.
تعرف البحيرة بأنها من أكثر المحافظات إنتاجا للبرسيم المصري، نظرا لخصوبة أراضيها الزراعية ووفرة مياه الري القادمة من فرعي النيل رشيد ودمياط، وهو ما يجعلها بيئة مثالية لنمو هذا المحصول.
وتنتشر زراعة البرسيم في مراكز المحافظة كافة مثل دمنهور، شبراخيت، الرحمانية، إدكو، رشيد، والمحمودية وغيرها، لتتحول الأراضي إلى بساط أخضر يبهج القلوب ويُنعش الحقول.
ويبدأ موسم زراعة البراسيم في البحيرة مع شهر نوفمبر من كل عام، بعد انتهاء حصاد الأرز والبطاطا والذرة ، ليكون بمثابة بداية جديدة لدورة زراعية تعتمد عليها الثروة الحيوانية بشكل كبير.
ويعتبر البرسيم من المحاصيل متعددة الحشات، حيث يمكن حصاده من نفس الأرض خمس إلى ست مرات خلال الموسم، ما يوفر علفا مستمرا طوال الشتاء والربيع، ويسهم في تخفيف أعباء الفلاحين في شراء الأعلاف الجافة مرتفعة الثمن.
ومن الناحية الاقتصادية، يعد البرسيم مصدر دخل ثابت للمزارعين، إذ يتم بيع جزء من المحصول طازجا في الأسواق المحلية، بينما يُجفف جزء آخر لعمل “الدريس” الذي يُستخدم في الصيف، حين تقل الأعلاف الخضراء، ويصل سعر الطن الأخضر من البرسيم في بعض مناطق البحيرة إلى أسعار مجزية، خاصة في بداية الموسم، ما يحقق عائدا جيدا للفلاحين.
وتتابع مديرية الزراعة بالبحيرة، برئاسة الدكتور حسني عطية عزام، أعمال الزراعة في الحقول وتقدم الإرشادات الفنية للمزارعين لضمان الحصول على أعلى إنتاجية، كما تحرص الإدارات الزراعية بالمراكز على توعية الفلاحين بأهمية ترشيد مياه الري واستخدام الأسمدة العضوية الطبيعية التي تحافظ على خصوبة التربة.
وأكد عدد من المزارعين لـ«الوفد» أن الموسم الحالي يبشر بمحصول جيد، بفضل انتظام مياه الري وتوافر الأسمدة في الجمعيات الزراعية، إلى جانب تحسن الأحوال الجوية خلال فترة النمو، مشيرين إلى أن البرسيم يخفف كثيرا من الأعباء المادية لتربية الماشية، خاصة مع ارتفاع أسعار الأعلاف الجافة.
يقول الحاج سيد الجمسى "البرسيم المصرى محصول زراعى مهم، ووجبة أساسية للحيوانات، تقلل استيراد الأعلاف، حيث يعد علفا أخضر دائما للحيوانات على مدار ٦ أشهر متتالية".
وأضاف الجمسى أن البرسيم المصرى يعد من أهم محاصيل الأعلاف الشتوية، و يعمل على تحسين خصوبة التربة.
وفي السياق ذاته، أوضح الفلاحون أن البرسيم يلعب دورا حيويا في دعم المنظومة الغذائية للثروة الحيوانية.
ومن جانبه، أكد عدد من المزارعين أن موسم حصاد البرسيم يمثل لهم مصدر رزق أساسيا، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الأعلاف الجافة.
وأوضح محمد يوسف متولى مزارع من مركز المحمودية أن البرسيم هذا العام جاء إنتاجه وفيرا وجودته مرتفعة بفضل انتظام الأمطار وخصوبة الأرض، مشيرا إلى أن المحصول ساعد بشكل كبير في توفير العلف للماشية وتقليل النفقات اليومية.
وأضاف الحاج يوسف متولى أحد مربي الماشية من مركز المحمودية أن البرسيم يعتبر الذهب الأخضر للفلاحين، لأنه يوفر العلف الطازج للمواشي ويضمن استقرار الإنتاج الحيواني طوال فصل الشتاء، خاصة في ظل زيادة الطلب على الألبان ومشتقاتها في الأسواق المحلية.
ويمثل البرسيم كنزا أخضر للثروة الحيوانية بالمحافظة، إذ تعتمد عليه مزارع الأبقار والجاموس والأغنام في التغذية اليومية، مما ينعكس إيجابا على زيادة إنتاج الألبان وتحسين جودة اللحوم.
وبينما تتعالى ضحكات المزارعين بين الحقول الخضراء، يظل البرسيم المصري شاهدا على علاقة حب متجدرة بين الفلاح والأرض، ومصدر أمل متجدد لمواسم الخير والنماء التي لا تنقطع عن أرض البحيرة الطيبة.
وهكذا يبقى موسم البرسيم في البحيرة موسما للخير والعطاء، يجمع بين جمال الطبيعة وروعة الزراعة ونبض الحياة الريفية، ليؤكد من جديد أن الفلاح البحراوي ما زال رمزا للعطاء والارتباط بالأرض، وأن الحقول الخضراء ستظل دوما عنوانا لخصوبة البحيرة وثرائها الزراعي.
