حكاية وطن
يحسب للرئيس السادات عودة الأحزاب السياسية إلى الحياة بعد موتها بفعل الآثار السلبية لثورة 23 يوليو 1952، كما أنشأ السادات مجلس الشورى ليكون مجلسا ثانيا إلى جانب مجلس الشعب ويتخذ بمثابة مجلس العائلة المصرية كلها على اختلاف انتماءاتها الحزبية والسياسية، ويكون جامعًا للخبرات والكفاءات، التى تحتاج البلاد إلى مشاركتها فى الحياة السياسية والقواعد العامة للمجتمع حماية لمصلحته العليا وضمانًا لحفظ مبادئ ثورتى 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971، ودعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وتحالف القوى السياسية والمكاسب الاشتراكية وتحقيق النظام الاشتراكى الديمقراطى وتوسيع مجالاته.. فضلاً عن الافادة برز هذا المجلس فى الأمور العامة ذات الأهمية القومية، التى تمس حياة المجتمع وتنظيم مبادئه الأساسية. وقد لا يعرف الكثيرون أن هناك اقتراحا كان فى طريقه للإضافة إلى اختصاصات مجلس الشورى الوليد، وهو «محاكمة الوزراء عما يقع منهم من جرائم اثناء عملهم أو بسببه»، ثم رؤى حذف هذا الاقتراح لأن مجلس الشورى ليس مجلسًا رقابيًا على السلطة التنفيذية، ولا بد أن يكون بمنأى عن المعارك السياسية التى تلازم النظم السياسية، وتُرك للدستور والقانون أمر تحديد أعضائه والدوائر، وأكد الدستور أن ثلثى أعضائه بالانتخاب.. والثلث الآخر بالتعيين لاختيار كفاءات وطنية مختلفة قد لا يحققها نظام الانتخاب.
عقد أول مجلس شورى جلساته أول نوفمبر 1980، بعد أن تشكل طبقًا للدستور والقانون من 270 عضوًا، ومدته ست سنوات على أن تجرى انتخابات للتجديد النصفى كل 3 سنوات.
قبل إجراء الانتخابات الأولى لمجلس الشورى كتب الأديب الكبير نجيب محفوظ صاحب نوبل مقالاً فى صحيفة الأهرام، جاء فيه: «انه لا معنى لمجلس الشورى، إذا لم يشتق من مضمون واحد وهو الخبرة بمعناها العلمى الدقيق، وأنه لا فائدة ترجى من انتخاب أعضائه بالأسلوب العام للانتخابات، حيث إن الجمهور غير مؤهل عادة لمعرفة الخبرة وأهميتها».
وجرت الانتخابات، وانتخب الشعب 180 عضوا للشورى، وقام السادات بتعيين 90 عضوًا، واعتمد فى التعيين على الخبرات فكان من بينهم: توفيق الحكيم، أمينة السعيد، الشيخ الباقورى، الشيخ الشعراوى، مراد وهبة، الدكتور عبدالفتاح القصاص، الاعلامية همت مصطفى، مصطفى كامل مراد، عبدالرحمن الشرقاوى، محمد عبدالوهاب، محمود المليجى، الدمرداش العقالى، ثروت أباظة، أنيس منصور، سليمان الطماوى.
جاءت الجلسة الأولى لأول مجلس شورى برئاسة الكاتب والأديب توفيق الحكيم باعتباره أكبر الأعضاء سنًا، وأدى النواب اليمين الدستورية، وهى توجب طبقًا للتقاليد التى أرساها المجلس، أن يؤدى كل عضو اليمين الدستورية بالصيغة الواردة فى الدستور دون أى صيغة أهرى، وجواز حلف أعضاء المجلس لليمين فى الجلسة التى يرأسها أكبر الأعضاء سنًا، وفى غيبة رئيس المجلس.
أول رئيس لمجلس الشورى الذى انتخبه الأعضاء كان الدكتور صبحى عبدالحكيم، واستمرت رئاسته للمجلس من أول نوفمبر 1980 إلى 31 أكتوبر 1986 (6 سنوات)، وجاء بعد الدكتور على لطفى (3 سنوات) والدكتور مصطفى كمال حلمى (15 سنة) وصفوت الشريف (7 سنوات) والدكتور أحمد فهمى (فى عهد حكم الإخوان) سنة واحدة من 20 ديسمبر 2012 إلى 3 يوليو 2013.
بعد ثورة 30 يونيو 2023، والتى أقصت عصابة جماعة الإخوان الفاشلة عن السلطة، صدر دستور عام 2014 متضمًا إلغاء مجلس الشورى بعد 34 عامًا من وجوده غرفة ثانية إلى جانب مجلس الشعب وتم اعتباره كيانًا غريبًا، وأن مجلس الشعب يكفى كمؤسسة برلمانية وحيدة تتحمل مسئولية التشريع والرقابة وحماية مصالح الشعب، وجاء دستور 2019، المعدل لدستور 2014 ليرد اعتبار مجلس الشورى، وتعود إلى الحياة السياسية والنيابية مرة أخرى باسم مجلس الشيوخ، وتعتبر عودة هذا المجلس مرة أخرى فى عهد الرئيس السيسى احياء للحياة البرلمانية والسياسية، لأن البرلمان الذى يقوم على جناح واحد، تعتبر حياته ناقصة تفتقد التوازن فى الحياة السياسية والبرلمانية، ورؤى أن وجود غرفتين يزيد مساحة التمثيل المجتمعى وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، وتجويد العمل التشريعى.