رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

وصف الرئيس الأمريكي نظيره الأوكراني زيلينسكي في حديثه معه، بأنه لا يملك أوراقاً، معتبراً ذلك علامة ضعفٍ له. والحقيقة أن الرئيس الأمريكي عبر عن جوهر السياسة بهذا الوصف الدقيق، فالسياسة لعبة أوراقٍ، فكلما امتلكت الدول أوراقاً أكثر تحسن استخدامها كلما كانت أقوى،  وكلما كانت أوراق اللعب غامضة وغير متوقعة، كلما ازدادت الدولة قوة أكثر، وخشي الآخرون رد فعلها.
كذلك هو الصراع الدائر بين إيران وأمريكا حول الملفين النووي والصاروخي، فرغم امتلاك أمريكا لأدوات قوة لا تقارن بإيران سواء العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية، لكن الإيرانيين يحسنون استخدام أوراق لعبهم ويستفيدون منها بأكبر قدرٍ ممكن.. فعلى مدار أكثر من أربعة عقود من الصراع الإيراني- الأمريكي، نجحت إيران في تجحيم الصراع ومنع تحوله إلى مواجهة عسكرية، إلى جانب توسيع عمقها الاستراتيجي من خلال تكوين ميليشيات تابعة لها في عدة دول عربية، ما أسهم في تعزيز موقفها أمام الغرب. وبالرغم من حرب الاثني عشر يوماً مع إسرائيل، والضربات الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية، ورغم عودة العقوبات الاقتصادية التي زادت الوضع الاقتصادي سوءً، فإن إيران لازالت تحتفظ بأوراق لعبٍ خفية تجعل اتخاذ قرارٍ حاسماً تجاهها أمراً صعباً.
رغم استهداف أمريكا للمنشآت النووية الإيرانية بطائرة بي 2 متعددة الطبقات، وما تلاه من تصريحات ترامب بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وتصريحات غروسي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تضرر أجهزة الطر المركزي، لكن لا يزال غموض حقيقة القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وكذلك حقيقة تضرر أجهزة الطرد المركزي، وحجم التضرر وعدد الأجهزة المتضررة ومصير 400 كيلو من اليورانيوم المخصب، يمثل عائقاً أمام اتخاذ قرارٍ حاسم بشأن إيران.
رغم أن إيران هي الطرف الأضعف في معادلة القوة أمام أمريكا، لكنها كونها أمام خيارين كلاهما سئ، يشجعها على رفض الاستسلام للمطالب الأمريكية، فإيران أمام خيارين إما الاستسلام والتنازل عن أدوات القوة- البرنامج النووي والملف الصاروخي- مقابل انفتاح اقتصادي، يسهم في حل مشاكلها الاقتصادية على المستوى الداخلي، ولكنه سيجعل منها تابعة للإمبريالية الغربية التي طالما أعلنت العداء لها، وسوف تغدو قوة لا يحسب لها وزن في المنطقة، وهو ما ترفضه الشحصية الإيرانية، التي اتسمت طوال تاريخها بالتمرد حتى على الحكم العربي الإسلامي. أما الخيار الثاني أن تستمر إيران في عنادها وتتحمل تبعات العقوبات التي أرهقتها على المستوى الداخلي، والتي يتوقع البعض بأن النظام سوف ينهار في خلال خمس سنوات أخرى إذا استمرت العقوبات على هذا المنوال، وبالتالي فإيران أمام خيارين كلاهما سيء، وهو ما يجعلها أقدر على حسم قرارها بالرفض.
على الجانب الآخر فإن خيارات الجانب الأمريكي تصيبه بالارتباك حول إيران، فهو أولاً يفتقد لمعلومات موثقة يمكنه الاعتماد عليها في اتخاذ رد الفعل المناسب، وكل التحليلات والتصريحات حول البرنامج النووي وتضرره لا تعدو أن تكون مجرد تخمينات غير مؤكدة، تضعفها طوال الوقت تصريحات المسئولين الإيرانيين حول محدودية التضرر والقدرة على استكمال البرنامج النووي.
كذلك فإن استخدام الخيار العسكري أصبح أكثر صعوبة، في ظل فشل إسرائيل في هزيمة النظام الإيراني، وفي ظل الخسائر الجسيمة المحتملة، وكذلك سياسة أمريكا الجديدة تجاه الشرق الأوسط من استدامة النفوذ اعتماداً على الشركاء الإقليميين. ولهذا فالولايات المتحدة أمام أمرين يصعب اختيار أحدهما، إما الاستمرار في العقوبات والمراهنة على سقوط النظام الإيراني قبل النجاح في الوصول إلى سلاح نووي، أو التحديد الجزئي لقدراته النووية ومنح قبلة الحياة للنظام الإيراني الذي يعلم يقيناً أنه لن يكف عن مناوته إذا واتته في المستقبل إذا سنحت له الفرصة.

 

أستاذ الدراسات الإيرانية- كلية الآداب- جامعة عين شمس