علي جمعة يوضح الحقيقة حول «التوسل»: عبادة مشروعة لا علاقة لها بالشرك
أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن من المعاني التي أُسيء فهمها في الإسلام في عصرنا الحديث معنى «التوسل»، مشددًا على ضرورة العودة إلى الأصل اللغوي والمعنى الشرعي قبل إصدار الأحكام حوله.
وأوضح أن الوسيلة في اللغة تعني القربة والمنزلة عند الله، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، مؤكدًا أن التوسل في الشرع لا يخرج عن هذا المعنى اللغوي، بل هو طلب القرب من الله بكل وسيلة مشروعة كالعبادات والأعمال الصالحة.
الوسيلة في القرآن الكريم
أشار الدكتور جمعة إلى أن القرآن الكريم ذكر الوسيلة في موضعين:
الأول: في الأمر بها، كما في قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}.
الثاني: في الثناء على المؤمنين الذين يتقربون بها إلى الله، في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57].
وأوضح أن الآيتين تؤكدان أن الوسيلة ليست نوعًا واحدًا، بل تشمل كل ما يقرب إلى الله من عمل صالح ودعاء وطاعة.
التوسل في السنة النبوية
استشهد فضيلة المفتي السابق بعدد من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تثبت مشروعية التوسل، منها:
حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي ﷺ قال:«من قال حين يخرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي...»
موضحًا أن الحديث صحيح كما أقر بصحته كبار الحفاظ مثل ابن حجر والعراقي والدمياطي وغيرهم.
ويُستفاد منه جواز التوسل إلى الله بالعمل الصالح وبحق السائلين عليه.
حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
«إن لله ملائكةً في الأرض سوى الحفظة، يكتبون ما يسقط من نوى الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله»
(رواه البيهقي والطبراني برجال ثقات).
ويشير الحديث إلى جواز الاستعانة بالمخلوقات التي سخرها الله كالملائكة في تحقيق الخير والعون.
كما أورد حديث النبي ﷺ:«إذا انفلتت ناقة أحدكم في الصحراء فلينادِ: يا عباد الله، أمسِكوا!»،
موضحًا أن النبي استغاث بعباد الله الصالحين، لأن الله جعلهم سببًا في العون والنصرة، بينما المعين على الحقيقة هو الله وحده.
إجماع العلماء على مشروعية التوسل
اختتم الدكتور علي جمعة حديثه بالتأكيد على أن جميع علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرهم أجمعوا على جواز واستحباب التوسل، وأنه ليس فيه شرك ولا محظور شرعي، مشيرًا إلى أن من يحرّمه إنما يخالف إجماع الأمة بلا دليل.
وأكد أن التوسل المشروع هو ما كان بالأعمال الصالحة، أو بدعاء الصالحين، أو بحق الأنبياء والمرسلين، وأنه صورة من صور القرب إلى الله الذي أمر به في كتابه الكريم.



