في لحظات قليلة قد يتغير وجه بلد بأكمله. ليست الزلازل الطبيعية وحدها من تفعل ذلك، بل أيضًا الزلازل الاجتماعية والسياسية التي تهز وجدان الشعوب وتكشف هشاشة أسسها. ما نعيشه اليوم في المغرب ليس حدثًا عابرًا، بل ارتداد متأخر لزلازل الربيع العربي، لكن هذه المرة يأتي في بداية خريف، كأنه إعلان لموسم جديد يتساقط فيه الماضي وتولد أسئلة الحاضر.
جيل الإنترنت هو بطل هذه اللحظة. جيل لم يتشكل في المدارس والجامعات فقط، بل في غرف مضاءة بشاشات الهواتف. يعرف تاريخ غيره من خلال أرشيف مفتوح، ويقارن مصيره بمصائر شعوب خرجت من الركام لتبني دولًا حديثة. لكن أمامه واقع محكوم بعائلات سياسية، وأحزاب متوارثة، ومؤسسات لم تتغير لغتها منذ عقود.
المفارقة أن العالم يتجدد بسرعة مذهلة: الهواتف والسيارات والأجهزة تتبدل كل عام، بينما السياسة عندنا ما زالت أسيرة نفس الخطابات والشعارات. وكأننا في مسرحية متكررة، الأدوار ثابتة، والممثلون يتبدلون.
الزلزال المغربي الأخير ليس غضبًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا فحسب، بل هو اختبار لقدرة المجتمع على مراجعة ذاته. الشعوب الحية تستجيب للهزات بالتغيير، بينما الشعوب التي تستسلم لقيودها تكرر الكارثة نفسها. وهنا مكمن الأزمة: أن جيل الإنترنت يملك أدوات التعبير والفضاء الرقمي، لكنه لم يجد بعد مشروعًا سياسيًا جامعًا يحول صرخاته إلى بديل...
السلطات تراهن على الزمن، لكنها لا تدرك أن ذاكرة الإنترنت لا تُمحى. كل صورة وفيديو وتسجيل يصبح وثيقة ضد خطاب رسمي لم يعد يقنع أحدًا. لهذا، تبدو محاولة احتواء هذا الجيل بالمنع أو التشويه كمن يحاول إخفاء بركان تحت الأرض.
الربيع العربي كان بداية اهتزاز، واليوم يبدو المغرب جزءًا من ارتداداته. الخريف قد يكون موسم سقوط أوراق قديمة، لكنه في الطبيعة أيضًا مقدمة لولادة جديدة. فهل يملك هذا الجيل الشجاعة لترك الماضي وراءه، واستقبال زلازل التغيير كفرصة لبناء مجتمع أكثر صلابة وعدلًا؟
إن ما يحدث ليس شأنًا محليًا فقط، بل جزء من "جيو-حارة" جديدة تتشكل فيها السياسة في الأزقة وعلى الشاشات أكثر مما تتشكل في قصور الحكم. العالم العربي أمام مفترق طرق، والمغرب مجرد نموذج. فإذا كان الزلزال قد بدأ هنا، فارتداداته ستطال الجميع...!!
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية ...!!