رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

“انعكاس”.. مرآة تفضح الوهم وتكشف الذات

بوابة الوفد الإلكترونية

يأتي الفيلم القصير “انعكاس” للمخرجة الشابة هاجر التونسي كمشروع تخرجها من المدرسة العربية للسينما والتلفزيون تحت إشراف الدكتورة منى الصبان، ليضع المشاهد أمام واحدة من القضايا النفسية والاجتماعية المعقدة التي تواجه الإنسان المعاصر، وهي أزمة فقدان الثقة بالنفس والوقوع في فخ المقارنات المستمرة بالآخرين.

تتمحور قصة الفيلم حول فتاة تعيش صراعًا داخليًا متواصلًا، إذ لا ترى في نفسها ما يستحق التقدير، وتقع أسيرة لمعايير سطحية للجمال، حيث تقارن صورتها طوال الوقت بصور فتيات أخريات. 

هذه المقارنات المتكررة تعمّق شعورها بالنقص وتدفعها إلى حالة من التوتر والاغتراب عن ذاتها، حتى تصل إلى لحظة مفصلية عندما ترى حلمًا يكشف لها زاوية مختلفة عن حياتها. ففي ذلك الحلم، تقف أمام مرآة قديمة ومتربة داخل غرفتها، وهناك تكتشف أن الغبار المتراكم ليس مجرد مظهر خارجي، بل رمز لكل الشكوك والصراعات التي حجبت عنها حقيقتها. ومن خلال هذه اللحظة الرمزية، تبدأ رحلة البطلة في استعادة ثقتها بنفسها، لتصل إلى قناعة عميقة مفادها أن الجمال الحقيقي لا يكمن في ملامح الوجه وحدها، بل في قدرة الإنسان على التصالح مع ذاته والرضا عن نفسه.

على المستوى الفني، برزت بصمة مديرة التصوير إسراء سليم في التعبير البصري عن حالة البطلة، حيث استخدمت لقطات مقربة close-ups لملامح الوجه والعينين لإظهار الارتباك الداخلي والصراع النفسي. كما جاءت الإضاءة بدرجات باهتة وباردة في البداية لتعكس إحساس البطلة بالعزلة والتشتت، قبل أن تتغير تدريجيًا مع تحولها الداخلي، لتصبح أكثر دفئًا ووضوحًا، في تجسيد بصري لفكرة التصالح والقبول.

أما على مستوى المونتاج، فقد استطاع زياد بعتر أن يخلق إيقاعًا بصريًا ونفسيًا متناغمًا، من خلال الانتقال السلس بين المشاهد الواقعية وأجواء الحلم، بما يضاعف من عمق التجربة الدرامية. كما أضافت التفاصيل الرمزية الصغيرة، مثل الغبار على المرآة أو نظرات البطلة من النافذة، بعدًا فلسفيًا يفتح المجال أمام المشاهد للتأمل وإعادة النظر في تجربته الشخصية.

إلى جانب ذلك، كان لفريق العمل دور أساسي في خروج الفيلم بهذه الصورة المتماسكة؛ فقد أشرف محمد بعتر على إدارة الإنتاج، بينما اهتم أسامة الشامي باختيار الشخصيات بعناية لتعكس طبيعة الصراع الداخلي للبطلة، فيما ساعدت روان عبد العزيز في الإخراج لتقديم رؤية بصرية دقيقة ومتكاملة.

يحمل الفيلم رسالة واضحة تسعى المخرجة هاجر التونسي إلى إيصالها: أن معركة الإنسان الحقيقية ليست مع صور الآخرين أو معايير المجتمع المفروضة، بل مع نفسه، وأن التصالح مع الذات هو الخطوة الأولى نحو حياة أكثر توازنًا وسلامًا. في زمن يطغى فيه الهوس بالمظاهر وصور منصات التواصل الاجتماعي، يأتي “انعكاس” كعمل فني صادق يعيد التذكير بقيمة البساطة، والعمق الإنساني، وجمال الروح.