بداية حصاد الأرز.. قوت الشراقوة ورغيف عيشهم الثاني

مع حلول موسم حصاد الأرز تكتسي الحقول المصرية بسنابل الذهب الأبيض، ذلك المحصول الاستراتيجي الذي لا يقتصر دوره على كونه غذاءً أساسيًا على موائد المصريين، بل يمثل أيضًا أحد مصادر الدخل القومي عبر التصدير.
ويأتي هذا الموسم في وقت تبذل فيه الدولة جهودًا واضحة للتوسع في الرقعة الزراعية وتحسين إنتاجية الفدان بما يعزز من الأمن الغذائي الوطني ويواكب الزيادة السكانية المتنامية.
في هذا السياق، أوضح المهندس سمير راشد، مدير إدارة المتابعة بمديرية الزراعة بالشرقية في تصريحات لـ «الوفد»، أن محصول الأرز يعد من أبرز المحاصيل التي تعتمد عليها مصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير العملة الصعبة، وبيّن أن المساحة المزروعة هذا العام وصلت إلى نحو مليون ونصف المليون فدان، بإنتاج يقدر بستة ملايين ونصف المليون طن من الشعير، وهو ما يعادل أربعة ملايين ومائتي ألف طن من الأرز الأبيض، مع الحاجة لاستيراد ربع مليون طن فقط لتغطية الفجوة مع الاستهلاك المحلي.
ولفت إلى أن هذا يعني أن الدولة في موقع متقدّم من حيث حجم الإنتاج والاكتفاء مقارنة بالسنوات الماضية، مشيرًا إلى أن محافظة الشرقية وحدها زرعت ما يقرب من 238.5 ألف فدان، ومن المتوقع إنتاج نحو سبعمائة ألف طن من الشعير وخمسمائة ألف طن من قش الأرز، وهو ما يفتح المجال لصناعات متعددة ويحد في الوقت نفسه من التلوث البيئي إذا ما جرى استغلاله بعيداً عن الحرق.
وذكر المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية، أن المحافظة اتخذت إجراءات صارمة للحد من ظاهرة الحرق، من خلال فتح مائتي موقع لتجميع المخلفات الزراعية بقدرة استيعاب تصل إلى مائتي ألف طن من القش، وتوفير 227 معدة تشمل مكابس وجرارات وفرامات ولمامات لتسهيل عمليات التدوير مقابل إيجار رمزي.
كما تمت معاينة 26 موقعاً آخر للتأكد من مطابقتها للاشتراطات الفنية، فضلاً عن تكثيف الأنشطة التوعوية التي تهدف إلى تحويل المخلفات من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور مجدي الحصري، رئيس جهاز شؤون البيئة بالشرقية والإسماعيلية، أن الجهاز نفّذ 437 نشاطاً توعوياً خلال سبتمبر، تنوعت بين ندوات ولقاءات مباشرة واجتماعات، وهدفت جميعها إلى رفع وعي المزارعين بمخاطر الحرق المكشوف.
وأشار الحصري إلى أن قش الأرز يمثل ثروة اقتصادية يمكن استغلالها في صناعة الألواح الخشبية والأعلاف والسماد العضوي، بما يسهم في تحقيق عوائد إضافية ويوفر فرص عمل جديدة، وهو ما يعكس توجهًا متقدمًا نحو التنمية المستدامة.
على الجانب الآخر، يروي المزارعون للوفد تجاربهم الواقعية بين الاعتماد على الأصناف الجديدة المستنبطة وارتفاع تكاليف الزراعة، المزارع محمد السيد بلاسي، الذي يزرع الأرز منذ أكثر من أربعين عاماً، أكد أن إنتاجية الفدان تحسنت بشكل ملحوظ مقارنة بالماضي، إذ كانت لا تتجاوز طناً ونصف الطن، بينما تتراوح حالياً بين 3.5 و5.5 طن بفضل الأصناف الحديثة مثل «سوبر 300 و301 و302 و303»، وباحتساب متوسط السعر البالغ 15 ألف جنيه للطن، فإن عائد الفدان يصل إلى نحو 50 – 55 ألف جنيه، وهو ما يشير إلى تحسن فعلي في عائد الفلاح إذا ما قورن بالماضي.
لكن هذه الزيادة في الإنتاجية لم يمنع المزارع السيد عبد الرحمن سيد أحمد من الإشارة إلى الصعوبات التي تؤدي إلى تأخر الفلاح اقتصادياً، موضحًا أن تكاليف زراعة الفدان ارتفعت بشكل كبير، إذ وصل إيجاره إلى 35 ألف جنيه سنوياً، بينما تبلغ تكلفة الفلاح المالك نحو 20 ألف جنيه فقط، كما أن الأسمدة المدعومة لا تغطي سوى شكايرتين للفدان في حين أنه يحتاج إلى ثلاث، ما يضطره لشراء الكمية الناقصة من السوق الحر بسعر مرتفع يصل إلى 1300 جنيه.
وأضاف أن تكلفة الحصاد وحدها تبلغ 2400 جنيه، فيما تصل تكلفة التقاوي إلى 2100 جنيه للفدان بمعدل شكارتين ونصف، الأمر الذي يرهق الفلاحين ويجعلهم في وضع متأخر رغم ضمان المحصول وعوائده.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الدولة والمسؤولون، مثل المهندس سمير راشد، على تحسن الإنتاجية وتقليص الفجوة الغذائية، يظل المزارعون يتطلعون إلى سياسات أكثر قربًا من واقعهم، آملين في خفض أسعار الأسمدة الكيماوية أو إعادة توزيعها بما يتناسب مع احتياجات المحاصيل وطبيعة التربة، حتى تتحول مكاسب الإنتاج إلى مردود اقتصادي عادل ينعكس على حياتهم اليومية.




