لعل وعسى
تناولنا فى المقالين السابقين كيف أن الصين مع مطلع القرن العشرين كانت تقف على حافة الانهيار، وأن التحول الفكرى العميق لدى شباب الصين بالإعلان عن خلع عباءة الغرب والتمرد على الأيديولوجية الغربية كانت بداية الإستفاقة وكيف أن مصر كانت علامة مضيئة فى مسار الصين العظيم، عبر استضافتها لمؤتمر القاهرة عام 1943 وقيادة الوعد الدولى بتحرير الصين من المستعمر اليابانى، وعبر اتجاهها للانفتاح الاقتصادى عام 1974 والذى فشلت فيه مصر،ولكن الصين تحت قيادة بينج سياو بينج أعلنت الإنفتاح الإقتصادى عام 1978، ليكون بداية الصين الحقيقية للإنتقام من التاريخ ولقصة ما زالت تكتب،وفيه فصل بأن الأمة العربية قد أضاعت من يدها فرصة إستعادة التاريخ عبر إعداد مشروع عربى مشترك بعد حرب أكتوبر 73، يكفل لها التصدى لأى عدوان محتمل، فكانت فكرة الهيئة العربية للتصنيع، والتى لم يشفع وجودها الظاهرى من التعدى على سيادة عربية كانت تظن بمواردها وإعلامها أنها تستطيع أن تروض الذئاب، لنجد أنفسنا الآن نعانى من تجربة عربية بذلنا فيها جهوداً كبيرة ومتكررة منذ السبعينيات من القرن الماضى ولكنها الآن تحتاج إلى إعادة النظر فى منطلقاتها الأساسية، مثل النموذج الصينى الذى سعى إلى الإنتقام من التاريخ عبر سياسية الانفتاح الاقتصادى وتوحيد القوميات ووطنية الشباب، وهو قد يكون نموذجاً ملهماً وقادراً على إعادة إحياء التجربة العربية من جديد ولكن بمنطلقات ورؤى جديدة، وأن وجود شخصية حكيمة مثل الرئيس السيسى تقترب كثيراً من شخصية دونج سياو بينج قد تمثل بداية وفرصة لاستعادة تاريخ الأمة العربية، وأن هذا يتطلب، التفسير الصحيح للمتغيرات الإقليمية والدولية ببعدها الاستراتيجى والتاريخى الشامل، مع الإيمان بقدرات الأمة، وعدم الركون إلى المصالح القطرية الضيقة. أيضاً قياس موازنة القوة حسب قدرات الجيوش وإهمال قدرات الشعوب. لذا نرى أن على العرب تفعيل آلياتهم وعلى رأسها الهيئة العربية للتصنيع حتى يستطيعوا مواجهة اللعبة الكبرى المسماة لعبة ملء الفراغ، من أجل الوصول إلى اتفاقيات كبرى تتيح تثبيت توازنات جديدة، وهى لحظة تبدو بمنطق المقايسة والمشابهة مثل مرحلة الخمسينات، حين كان لا بد من ملء الفراغ الناشئ عن تراجع الدور الإمبراطورى البريطانى، عن طريق تقدم الدور الأمريكى، كما جاء فى مبدأ أيزنهاور «ملء الفراغ». أما الفراغ الناشئ حالياً فيعود إلى مجموعة من العوامل منها تراجع الدور الأمريكى بعد فشل الولايات المتحدة فى حرب العراق وأفغانستان وإيران مع زيادة الدور الصينى، وتسارع وتيرة آليات انهيار وتفكك الدول فى العالم العربى، ولا يمكن إغفال عامل الارتباك أو عدم الاتفاق على تحديد العدو الرئيسى للأمة العربية، وذلك منذ أن بدأت مسيرة التسوية عام 1977. لذا فإن دعوة الرئيس السيسى لقادة الدول العربية خلال قمة الدوحة لإنشاء آلية عربية إسلامية لمواجهة التحديات الكبرى، هى رسالة وفرصة لإعادة ترتيب الأولويات، واستعادة زمام المبادرة، خاصة أن الأمة تقف على مفترق طرق، بين إرث من التشرذم وطموح توحيد الصفوف، وأن وحدتنا تمثل نقطة إرتكاز أساسية، فى وقت يعيش فيه العالم عصر التكتلات السياسية والاقتصادية. من أجل التعامل مع التحديات التى تواجه منطقتنا، بما يضمن عدم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراعات، والحيلولة دون فرض ترتيبات إقليمية، تتعارض مع مصالحنا ورؤيتنا المشتركة، لذا نرى أن تفعيل آليات الهيئة العربية للتصنيع هو بداية لتطوير قاعدة تصنيع عسكرية مشتركة ودفاعية، تستند على مبادئ محددة أهمها: التخطيط الاستراتيجى والتنفيذى، مما يضمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية للهيئة. كذلك التركيز على النتائج ليعكس توجهها نحو الفعالية والكفاءة فى الإنتاج والتشغيل. أيضاً المسئولية والمصداقية، ما يعكس أهمية الثقة فى علاقتها مع أطراف العمل. أخيراً التطوير المستمر والابتكار، مع السعى الدائم نحو التقييم الذاتى والمواءمة مع التوجهات الاستراتيجية.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام