أسبوع الحسم فى الأمم المتحدة يضع العالم أمام إعادة تشكيل السياسة الدولية
زعماء العرب يحاصرون ترامب بالملف الفلسطينى ويشترطون كبح نتنياهو

الشرع يطل من نيويورك ولقاء مرتقب مع رجل البيت الأبيض يقلب معادلة سوريا
أردوغان يدخل سباق الوساطات ويقايض واشنطن بالتجارة والسلاح
نتنياهو يربط رد إسرائيل بلقائه مع ترامب الأسبوع المقبل
تتجه أنظار العالم إلى نيويورك هذا الأسبوع حيث ينعقد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وسط تصاعد غير مسبوق فى الملفات الدولية التى تجعل من الحدث لحظة مفصلية فى مسار النظام العالمى لكن المشهد يبدو مختلفا هذه المرة، فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يدخل قاعة الأمم المتحدة بثقة يضع نفسه فى قلب معادلات النار الممتدة من غزة إلى أوكرانيا ومن سوريا إلى بحر الصين فيما يتقاطر الزعماء العرب والأوروبيون والآسيويون حاملين أجندات متناقضة بحثا عن صفقات عاجلة أو تفاهمات طويلة المدى.
فى صدارة اللقاءات المنتظرة يقف اجتماع ترامب مع قادة عرب بينهم مصر والسعودية وتركيا وقطر والإمارات حسب تسريبات نشرتها أكسيوس فإن هذه اللقاءات ستركز على منع إسرائيل من المضى قدما فى ضم أجزاء من الضفة الغربية بعد الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية إضافة إلى بحث الترتيبات الأمنية فى غزة ومصير الرهائن وضمان عدم انفجار الشارع العربى بصورة أوسع القادة العرب الذين يتمتعون بعلاقات شخصية وثيقة مع ترامب ينوون الضغط عليه بشكل مباشر لإلزام نتنياهو بوقف أى خطوات أحادية فى الضفة مقابل إبقاء قنوات التطبيع مفتوحة وعدم انهيار الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن.
التقرير الذى نشره موقع أكسيوس حول هذه الاجتماعات أثار ردود فعل حذرة إذ اعتبر مراقبون أن ترامب يحاول الالتفاف على التحفظات العربية السابقة تجاه بعض مقترحاته لملف غزة خصوصا ما يتعلق بخطط تهجير أهل غزة الى دول مجاورة وهو ما أثار مخاوف عربية شديدة، الأردن ومصر أرسلا إشارات واضحة بأنهما سيطالبان بنصوص صريحة تلزم إسرائيل بوقف الضربات واحترام القانون الدولى بينما لم يصدر رد رسمى من تل أبيب لكن مصادر حكومية أكدت أن إسرائيل تتابع التسريبات بجدية وتستعد لمعارضة أى التزامات من دون ضمانات أمنية أما الإعلام الغربى فقد شكك فى جدوى اللقاءات واعتبرها أقرب إلى استعراض سياسى يخدم حسابات ترامب الداخلية.
وفى ذلك يفرض الملف الفلسطينى نفسه بقوة بعد الخطوة المفاجئة التى أعلنتها بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال بالاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية فى تحد واضح للرفض الإسرائيلى رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر برر الخطوة بأنها جزء من خطة عملية لإعادة إطلاق مسار حل الدولتين وربطها بوقف إطلاق النار فى غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية فيما وصف رئيس الوزراء الكندى مارك كارنى القرار بأنه وسيلة لتقويض حماس ودعم رؤية السلام لكن الموقف الإسرائيلى جاء موحدا على نحو نادر إذ وصف رئيسهم إسحاق هرتسوغ الاعتراف بأنه يوم حزين للسلام بينما اعتبر نتنياهو ويائير لابيد وبن جفير أن الدول الغربية منحت جائزة للإرهاب وعلى الأرض لم يلمس الفلسطينيون أى تغيير فالحرب فى غزة مستمرة وحماس ما زالت متمسكة بأوراقها.

فى الملف السورى برز تحول نوعى مع إعلان ترامب نهاية يونيو رفع البرنامج الكامل للعقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق منذ سنوات وهو القرار الذى شمل إزالة أكثر من خمسمائة فرد وكيان من القائمة السوداء وإلغاء أوامر تنفيذية شكلت أساس العقوبات السابقة لكن القيود المرتبطة بقانون قيصر وبملفات حقوق الإنسان والأسلحة الكيميائية بقيت على حالها ما جعل الخطوة أشبه بفتح باب للمساومات لا إنهاء كامل للعزلة هذا التطور فتح الطريق أمام أول زيارة لرئيس سورى إلى اجتماعات الأمم المتحدة منذ 1967 حيث وصل أحمد الشرع إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة اليوم الثلاثاء والتقى بالفعل عددا من المسئولين الأمريكيين فى واشنطن لمناقشة خريطة طريق قد تمهد لتطبيع تدريجى مصادر أمريكية وإسرائيلية أكدت أن خططا جارية لعقد لقاء مباشر بين الشرع وترامب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة فى خطوة ستكون الأكثر رمزية منذ عقود النقاشات المتوقعة تشمل الوجود الإيرانى فى سوريا وضمانات أمنية مع إسرائيل وإمكانية إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب دمشق تحت إشراف أممي.
أما تركيا فدخلت على خط الأجندة الكثيفة بلقاء رسمى بين الرئيس رجب طيب أردوغان وترامب فى البيت الأبيض يوم 25 سبتمبر وهو لقاء أعلن عنه الطرفان رسميا، وأكد أردوغان أنه سيركز على ملفات التجارة والعلاقات العسكرية وصفقات الأسلحة بما فى ذلك برنامج إف 16 إلى جانب الملفات الإقليمية أردوغان شدد قبل سفره إلى نيويورك على أن القضية الفلسطينية ستكون على رأس جدول أعماله وأنه سيلتقى الرئيس السورى أحمد الشرع أيضا خلال الزيارة بما يعكس طموحه فى لعب دور الوسيط بين واشنطن ودمشق.
تركيا فى هذا السياق ألغت بعض الرسوم الجمركية على واردات أمريكية كإشارة حسن نية تمهد لتفاهمات اقتصادية أوسع.
فى إسرائيل يواجه نتنياهو ضغوطا هائلة فهو مطالب بالرد على الاعترافات الأوروبية دون أن يثير غضب شركائه العرب أو يتسبب فى فقدان الدعم الأميركى جناحه اليمينى يدفع باتجاه الضم وإعادة توطين سكان غزة بينما يحذره مستشاروه من أن أى خطوة متهورة قد تؤدى إلى عزل إسرائيل دبلوماسيا، نتنياهو وعد بالرد لكنه ربط القرار بما سيخرج من لقائه مع ترامب الأسبوع المقبل فى واشنطن حيث سيحاول صياغة معادلة تحافظ على تماسك ائتلافه اليمينى وتمنع مزيدا من الاعترافات بالدولة الفلسطينية وتضمن فى الوقت ذاته استمرار الدعم العسكرى الأمريكى لحرب غزة.
إلى جانب هذه الملفات الثقيلة تبرز أوكرانيا وأمن الطاقة فى أوروبا وأزمة بحر الصين الجنوبى كقضايا أساسية على طاولة النقاشات الأممية لكن الأنظار تبقى مشدودة إلى ثلاثية غزة والضفة وسوريا التى تمثل مسرح الاختبار الحقيقى للسياسة الدولية فى هذا الأسبوع الفاصل فإما أن يخرج الزعماء بصفقات تعيد هندسة التوازنات أو ينتهى الأمر بتثبيت خطوط النار وتعميق الانقسام الدولى حول الشرق الأوسط أو تتجه نحو اللاشىء.