بدون رتوش
يحدثنى فضيلته عن الشورى والتى أكد أنه لا مكان لها فى الأمور العقائدية والعبادية والخلقية. ويشير إلى أن هناك أمورًا يرفضها الإسلام، ولكنه لم يحدد عقوبات معينة، فالإسلام حرم الاغتصاب والربا والفرار من الجبهة والغش. كما أن هناك محظورات كثيرة رفضها الدين، ولكنه لم يضع لها عقوبة معينة. وترك وقاية الأمة فيها للنشاط الاجتماعى والادارى. وهنا تتدخل الشورى لوضع أحكم الوسائل التى تحصن الأمة من هذه الرذائل المختلفة.
وعندما أسأله عن أن هناك أمورًا تتجدد مع الزمن وفق معيار التطورات، فهل تندرج هذه فى مجال الشورى أيضا؟
وهنا يعقب قائلًا: (بالطبع، فبعد غزو الفضاء والنظر فى ملكية الكواكب لا بد من معرفة أن العقل الإنسانى يتحرك لكى يرجع بالأمور إلى قواعد الفطرة السليمة والعدالة. وبذلك يمكن أن تتعاون الخصائص الآدمية للبشر مستعينة بهدى الدين وتوجيهه كى نضمن للإنسانية مستقبلًا أفضل. وهذه كلها للشورى فيها مجال. أما القول بأن رأيًا واحدًا ينفرد بالبت فيها فهذا مخالف لطبيعة الأشياء. ومع اختلاف الأزمان فإن منطق الفطرة الإنسانية أى الإسلام يعلن عن نفسه. ويتلاقى ما وقع فى العصر الحالى مع ما وقع من أربعة عشر قرنًا. رأيت فى إحدى الصحف صورة للرئيس الأمريكى «كينيدي» أحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين، والصحفيون يحيطون به. يسأله أحدهم: (هل نفقات رحلة زوجتك إلى أوروبا من حسابك الخاص أم من حساب الخزانة الأمريكية؟). عندما قرأت هذا الكلام انتقل ذهنى توًا إلى مجلس لعمر بن الخطاب وقف فيه يتكلم. فإذا بأحد الصحابة ينظر إليه باستنكار ويقول له: (أجبنا أولا. هذا الثوب الذى ترتديه لم يظفر أحدنا بمثله مع ضخامة جسمك وضآلة جسم غيرك)؟ فقال عمر بن الخطاب: (قم يا عبد الله بن عمر أجب)، فقال عبدالله: (أعطيت أبى نصيبى من الأقمشة الموزعة لأنى وجدت الثوب الذى ناله لا يصلح له فهو يلبس ثوبى وثوبه معًا). فقال له المعترض: (الآن قل نسمع).
إن ما حدث من أربعة عشر قرنًا فى جزيرة العرب يتضمن مظهر شعب يسأل حاكمة ويريد أن يعرف كيف تنفق الميزانية العامة، وهو نفس المظهر الذى وجدناه فى العصر الحديث. نفس الرغبة ونفس الطموح يتحقق فى الشعب الأمريكى وهو يسأل رئيسه عبر صحافة حرة. إن الفطرة الانسانية والتى يجسدها الإسلام لا تعرف التزوير ولا الافتعال، والحاكم فى نظر المسلمين رجل منهم يقول ما قاله. ها هو أبوبكر عندما اختير للخلافة قال: (إنى وليت عليكم ولست بخيركم. إن رأيتم خيرًا فأعينونى، وإن رأيتم شرا فقومونى).
سألت الشيخ محمد الغزالى: يأخذ البعض على المجتمعات الاسلامية والعربية عدم تطبيقها للشورى تطبيقًا فعليًا رغم أن الإسلام قد نص عليها صراحة ودعا إليها بقوة؟
فأجاب: الشورى ليست اختراعًا عربيًا ولا اختراعًا إسلاميًا. الشورى فضيلة إنسانية. لا يجرؤ أحد على القول بأن الصدق أو العدل اختراع لدين من الأديان. وكذلك الحال بالنسبة للشورى فهى فضيلة تطبق ببساطة فى دول كثيرة. قال الفرنسيون لـ«جيسكار ديستان»: (اذهب لبيتك). فذهب. ومن قبله قيل هذا للجنرال ديجول. فلماذا لا يقع هذا فى الدول العربية كلها؟ هل الشورى التى يتم تطبيقها فى الدول العربية لها معدن آخر غير الشورى التى تطبق فى بلاد العالم؟ وللحديث بقية….