يجب ألا يكون العدوان الإسرائيلى على الأراضى القطرية حدثا عابرا فى سجل الصراع العربى الإسرائيلى، لكن يجب التعامل معه باعتباره نقلة نوعية خطيرة فى سياسات الاحتلال التى لم تعد تكتفى بانتهاك حقوق الشعب الفلسطينى، وإنما امتدت إلى تهديد مباشر لأمن وسيادة دولة عربية شقيقة، وهو ما يفرض على الأمة العربية ضرورة اتخاذ وقفة جادة تتجاوز حدود الاستنكار والإدانة، لتتحول إلى خطوات عملية تعكس قدرتنا كدول عربية من المحيط للخليج على حماية الأمن القومى العربى.
يجب أن يكون هذا العدوان بداية حقيقة لإدراك أن دولة الاحتلال على استعداد لاستباحة السماء العربية من أجل تنفيذ مخططاتها وفرضت سيطرتها على الشرق الأوسط، لذلك فالوحدة العربية لم تعد رفاهية وإنما ضرورة فى مواجهة العربدة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، فلقد أثبتت التجارب أن إسرائيل تراهن دائما على حالة الانقسام العربى، وتوظف الخلافات البينية لتمرير سياساتها العدوانية، ومن هنا فإن الجامعة العربية مطالبة بعقد جلسة طارئة ليس لإصدار بيان سياسى فقط، بل لرسم استراتيجية واضحة تحدد طبيعة الرد الجماعى على الانتهاك الإسرائيلى، باعتباره أمرا يمس الأمن القومى العربى إجمالا، والتغاضى عنه يعنى تكراره مع دول عربية أخرى.
على جانب آخر أدعو الدول العربية إلى تفعيل الأدوات الدبلوماسية والقانونية، فالعرب يمتلكون قدرة مؤثرة داخل المنظمات الدولية إذا تحركوا بفاعلية، من خلال تنسيق الجهود للتحرك فى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمطالبة بفتح تحقيق دولى فى الاعتداء على قطر باعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، كما يجب الدفع نحو إجراءات عقابية ضد إسرائيل، أو على الأقل كسر حالة الصمت الدولى التى تمنحها الضوء الأخضر لمواصلة سياساتها العدوانية.
فى الوقت نفسه، هناك حاجة ماسة إلى إحياء منظومة الأمن القومى العربى وهو ما طالب به الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارا وتكرارا، فلا يمكن التعامل مع العدوان الإسرائيلى باعتباره شأنا يخص قطر وحدها، بل هو اختبار مباشر لقدرة العرب على حماية حدودهم وكرامتهم، لذلك يجب التفكير فى آليات للتنسيق الدفاعى والأمنى، سواء عبر تدريبات مشتركة أو عبر آليات استخباراتية وسيبرانية تعزز من قدرة الدول العربية على مواجهة التهديدات الراهنة خاصة أن الأمن اليوم لم يعد عسكريا فقط، بل يمتد إلى الفضاء الإلكترونى، حيث باتت إسرائيل لاعبا نشطا فى مجال التجسس والتخريب الرقمى.
كما يحتاج العرب إلى استخدام أوراق القوة الاقتصادية والإعلامية، خاصة أن إسرائيل تتعامل مع المنطقة باعتبارها سوقا ومصدرا للفرص، فى حين أن العرب يمتلكون أوراق ضغط هائلة، بدءًا من الطاقة وصولًا إلى الاستثمارات والأسواق، ومن هنا يمكن توظيف هذه الأوراق فى الضغط على القوى الدولية الحليفة لإسرائيل، فضلا عن صياغة خطاب عربى موحد يفضح الجرائم الإسرائيلية ويُحبط الدعاية المضللة التى تسعى لشرعنة العدوان.
ولا يمكن إغفال أن ما جرى فى قطر مرتبط مباشرة بمحاولة إضعاف القضية الفلسطينية. فإسرائيل تدرك أن أى دعم عربى جاد للفلسطينيين يمثل تهديدا استراتيجيا لمشاريعها التوسعية. لذلك فإن أحد أهم ما يحتاجه العرب الآن هو إعادة ترتيب البيت الفلسطينى بدعم صادق، وتهيئة المناخ لتحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية، بما يحصن الموقف العربى المشترك.
خلاصة القول.. العرب فى حاجة مُلحة إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى خاصة أن الردود اللحظية قد تخفف من حدة الغضب الشعبى، لكنها لا تبنى مستقبلا آمنا، العرب فى حاجة إلى استثمار مواردهم فى بناء قوة إقليمية حقيقية، عسكرية وعلمية وتكنولوجية واقتصادية، بحيث يصبح أى اعتداء على دولة عربية مغامرة مكلفة لإسرائيل ولأى طرف دولى يدعمها، فالعدوان الإسرائيلى على قطر على قدر ما كشف هشاشة الموقف العربى الحالى، لكنه فى الوقت ذاته قد يشكل فرصة لإعادة التفكير فى شكل النظام الإقليمى العربى. فإما أن يستمر العرب فى ردود أفعال متفرقة لا تُجدى، أو يستغلون اللحظة الراهنة لبناء موقف جماعى يعيد الاعتبار لفكرة الأمن القومى العربى باعتباره خط الدفاع الأول عن سيادة الدول وكرامة الشعوب.