رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

ﻣﻦ رﻣﺎد ١١ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ إﻟﻰ ﻧﺎر ﺗﺮاﻣﺐ.. اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﻜﺒﺎر

بوابة الوفد الإلكترونية

 

الانسحاب من أفغانستان محطة رمزية لمسار إستراتيجى أعمق

 

منذ صباح الحادى عشر من سبتمبر 2001 تعيش الولايات المتحدة فى دوامة متصلة من البحث عن الأمان، فصور الطائرات وهى ترتطم ببرجى مركز التجارة العالمى لم تترك فقط أثرا مأساويا على جدران نيويورك بل حفرت فى الوعى الأمريكى شعورا بأن الخطر يمكن أن يأتى فى أى لحظة ومن أى مكان. على مدى عقدين كاملين كان الإرهاب هو العدو الأول، أُنفقت التريليونات على حروب مفتوحة فى أفغانستان والعراق واليمن وسوريا، وانتشرت القواعد الأمريكية من الخليج إلى القرن الإفريقي

ووجهت أجهزة الاستخبارات قدراتها الهائلة لمطاردة خلايا متناثرة عبر الحدود. الخوف حينها كان محدد الملامح، انتحارى يحمل حقيبة ناسفة، أو خلية نائمة تخطط لضربة كبرى، أو تنظيم متشدد يتخفى فى الظل. لكن بعد مرور ما يقرب من ربع قرن تغيرت الصورة جذريا، لم تعد واشنطن ترى أن الخطر الأعظم يأتى من جماعة تختبئ فى كهوف نائية، بل من دول عظمى منظمة تمتلك جيوشا نظامية وأسلحة نووية واقتصاديات كبرى، قادرة على تقويض النظام الدولى ذاته، وفى مقدمتها روسيا والصين.

«11 سبتمبر الرقمي»

الذكاء الاصطناعى نفسه أصبح عنوانا للخوف الجديد. فإذا كان المشهد المأساوى بعد 11 سبتمبر يتمثل فى مشاهد الدمار المباشر الناتج عن تفجيرات وانتحاريين، ويتجسد القلق اليوم فى خوارزمية قادرة على خلق فيديو مزيف يقلب نتائج انتخابات، أو هجوم سيبرانى يشل شبكة الكهرباء أو المطارات فى لحظة واحدة. الخوف من «11 سبتمبر رقمي» صار حاضرا فى خطابات المسئولين الأمريكيين حيث يمكن لهجوم إلكترونى منسق أن يشل البنية التحتية ويعطل الاقتصاد ويزرع الفوضى.

ومع تنامى القدرات الصينية فى التكنولوجيا، وتوسع دور روسيا فى حملات التضليل عبر الفضاء الإلكترونى، باتت الحرب الافتراضية لا تقل خطورة عن مواجهة الطائرات والدبابات.

الداخل الأمريكى فى مرمى التهديد

لم يعد الداخل الأمريكى نفسه بمعزل عن المعادلة وإذا كانت هجمات سبتمبر قد وحدت الأمريكيين خلف رئيسهم «جورج بوش» فى لحظة نادرة من الإجماع الوطنى، فإن أمريكا اليوم تعيش حالة استقطاب غير مسبوقة.

وفى السياق ترى الدكتورة «نهى أبو بكر»، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن التحول فى العقيدة الأمنية للولايات المتحدة من «الحرب على الإرهاب» إلى «منافسة القوى العظمى» يمثل تحولا جوهريا وكاملا إلى حد كبير وإن كان لا يعنى التخلى المطلق عن الحرب على الإرهاب.

وتشير أبو بكر، إلى أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان عام 2021 كان لحظة رمزية بالغة الأهمية فى هذا المسار، لكنه فى جوهره جزء من إعادة توجيه استراتيجى أوسع وأعمق بدأ قبل ذلك بسنوات، يقوم على إعادة تعريف المصالح الأمريكية فى عالم يتجه بوضوح نحو التعددية القطبية.

وتوضح أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن الاستراتيجية الأمريكية منذ مطلع العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين شهدت تغيراً تدريجياً، حيث انتقل مركز الثقل من أولوية مكافحة الإرهاب التى هيمنت على السياسة الأمريكية عقب هجمات 11 سبتمبر، إلى أولوية منافسة القوى الكبرى وعلى رأسها الصين وروسيا.

وتؤكد أن هذا التحول كان مدفوعا بجملة من العوامل، فى مقدمتها صعود الصين كمنافس استراتيجى فى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، فضلاً عن التمدد الروسى فى مناطق نفوذ حيوية مثل أوكرانيا والشرق الأوسط.

وتشير الى إدراك صانعى القرار فى واشنطن أن التحديات الجيوسياسية بعيدة المدى، مثل الهيمنة التكنولوجية والسيطرة على الموارد، تفوق فى أهميتها التهديدات الأمنية غير التقليدية مثل الإرهاب، قد جعل من منافسة القوى العظمى المحور الأساسى للاستراتيجية الأمريكية الراهنة.

ويظهر ذلك بوضوح فى وثائق الأمن القومى الأخيرة، ومنها استراتيجية الأمن القومى لعام 2022 التى وصفت الصين بأنها التحدى الأكبر أمام الولايات المتحدة. كما تجسد ذلك عملياً من خلال بناء وتعزيز التحالفات الدولية مثل تحالف «أوكوس» (AUKUS) و-هى اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ستساعد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أستراليا فى تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكرى الغربى فى منطقة المحيط الهادئ–وحوار «الكواد» (Quad) -وهو حوار استراتيجى غير رسمى بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند يتمثل بالمحادثات بين الدول الأعضاء- إضافة إلى توسيع الوجود العسكرى الأمريكى فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ.

وبحسب أبو بكر فإن الانسحاب من أفغانستان حمل رمزية كبرى باعتباره أنهى أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، لكنه لم يكن بداية التحول بل محطة بارزة ضمن مسار بدأ قبل ذلك. فإدارة ترامب (2017-2021) أعطت بالفعل أولوية لمفهوم «المنافسة بين القوى العظمى» فى وثائقها الاستراتيجية، ثم جاءت إدارة بايدن لتعزز هذا النهج عبر إعادة بناء التحالفات والتركيز على التحديات العالمية المستجدة، من التكنولوجيا إلى التغير المناخى. وختمت أبو بكر إلى أن الانسحاب الأمريكى لم يكن سوى جزء من عملية إعادة انتشار أوسع، أعادت خلالها واشنطن توجيه قواتها ومواردها من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى نحو مناطق أخرى مثل المحيط الهادئ وأوروبا الشرقية، فى تجسيد عملى لتحول استراتيجى شامل يعكس أولويات مرحلة جديدة فى السياسة الأمريكية.