رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

د. أحمد رزق يكتب: مولد النبي ﷺ بداية فجر جديد للبشرية

بوابة الوفد الإلكترونية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وجعل مولده ﷺ رحمة للعالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة وهداية، وعلى آله وصحبه أجمعين.

يطلُّ علينا شهر ربيع الأول من كل عام ليذكّر الأمة الإسلامية بميلاد أعظم مولود، وأكرم مخلوق، حبيبنا ونبينا محمد ﷺ، ذلكم الحدث العظيم الذي غيَّر مسار التاريخ، وأخرج الإنسانية من ظلمات الجاهلية إلى نور الهداية، فمولده لم يكن مجرد ميلاد إنسان عادي، بل كان إيذانًا بميلاد أمة، وبداية عهد جديد للبشرية جمعاء. نعم، كان إيذانًا بفجر جديد أشرق على البشرية كلها، إنه مولد سيد الخلق، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي جاء إلى الدنيا في مكة المكرمة في عامٍ عُرف بعام الفيل، ليكون بداية عهد جديد تتغير فيه موازين القيم وتُرسم فيه ملامح حضارة إنسانية متفردة.

إن عشية مولد النبي ﷺ كان العالم غارقًا في ظلمات الجهل والتفكك؛ ففي الجزيرة العربية سادت العصبية القبلية، وانتشرت عبادة الأصنام، وذُلّت المرأة حتى وُئدت وهي طفلة بريئة، ولو نظرنا إلى المجتمع المحيط بالجزيرة العربية لوجدنا أن القوى العظمى آنذاك، كانت تتمثل في  الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وهما أيضًا قد أنهكتهما الصراعات الداخلية، وغرقتا في ظلم اجتماعي وفوارق طبقية قاسية.

لم يكن هناك نور هداية يبدد تلك الظلمات، ولم تكن هناك رسالة توحد البشر على أساس من العدالة والرحمة، ومن هنا جاء مولد النبي محمد ﷺ ليكون بداية فصل جديد في تاريخ الإنسانية، فصل عنوانه الحرية والعدالة والرحمة.

لقد وُلد النبي ﷺ يتيمًا ، ثم فقد أمه في سن مبكرة، ليعيش منذ طفولته تجربة الفقد والمعاناة، غير أن هذا اليُتم لم يكن ضعفًا، بل كان إعدادًا لقلب سيحمل همّ الأمة كلها.

ثم رُبّي النبي المصطفى ﷺ في كنف جده عبد المطلب، ثم عمّه أبي طالب، ليشبّ معروفًا بالصدق والأمانة، حتى لُقّب بين قومه بالصادق الأمين.

كان ميلاده بشارة كما جاء في الكتب السماوية السابقة، ودليلًا على رحمة الله بعباده، إذ قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} () .

إن مولد النبي ﷺ لم يكن حدثًا منفصلًا عن مسيرة نبوته، بل كان مقدمة لرسالة عظيمة ستُحدث تحولًا هائلًا في مسار التاريخ، فبعد أربعين عامًا من مولده الشريف، نزل الوحي في غار حراء يحمل التكليف الإلهي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}() ومنذ تلك اللحظة انطلقت الرسالة التي رفعت الإنسان من عبادة الحجر إلى عبادة رب البشر، ومن ظلمات الجهل إلى أنوار المعرفة، ومن عبودية الأهواء إلى كرامة التوحيد.

لقد كان مولد نبينا محمد ﷺ ميلادًا لقيم إنسانية لم تعرفها البشرية مجتمعة من قبل، ومن أجل هذه القيم : الرحمة الشاملة، حيث شملت رحمته الإنسان والحيوان والبيئة، حتى قال ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن" () ، ومن تلك القيم : المساواة والعدالة: لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ومن هذه القيم الغراء : أنه حفظ حقوق المرأة، فرفع مكانتها بعد أن كانت مهانة، وأعطاها حق الإرث والكرامة والمشاركة في الحياة، ومن أعظم هذه القيم التي نادى بها نبينا ﷺ الحرية الدينية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }()، وأيضا إعلاء قيمة العلم، فكانت أول آية في القرآن الكريم دعوة للقراءة والعلم.
هذه القيم التي انبثقت من رسالته جعلت مولده بداية حقيقية لعصر جديد في تاريخ البشرية.

لم يكن الإسلام رسالة روحية فقط، بل كان مشروع حضارة شاملة، فقد أسس النبي ﷺ مجتمعًا في المدينة المنورة يقوم على دستور المواطنة والعدل، حيث عاش المسلمون واليهود والمشركون في ظل وثيقة المدينة التي كانت من أوائل الدساتير المكتوبة في التاريخ.

ومن هذا المجتمع انطلقت حضارة إسلامية امتدت من الأندلس غربًا إلى الصين شرقًا، حملت معها العلوم والفنون والطب والفلسفة، وأسهمت في النهضة الأوروبية فيما بعد، وكل ذلك يعود إلى ذلك الحدث العظيم: مولد النبي محمد ﷺ.
وختاما يمكن القول : بأن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان فجرًا جديدًا للبشرية، أضاء ظلمات الجهل، وأقام ميزان العدل، وفتح أبواب الرحمة، وإذا كان العالم اليوم يبحث عن قيم تُعيد للإنسان كرامته، فإن العودة إلى سيرة النبي الكريم محمد ﷺ والاقتداء به ليست ترفًا فكريًّا، بل ضرورة إنسانية وحضارية، لقد وُلد النبي الأكرم محمد ﷺ ليُعلّم الناس كيف يعيشون بسلام وعدل ورحمة، وسيظل مولده الشريف رمزًا متجددًا للأمل بأن الليل مهما طال، فلا بد أن يشرق فجر جديد.

بقلم د. أحمد رزق درويش
أستاذ الحديث وعلومه المساعد بجامعة الأزهر، عضو مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الالكترونية