أون لاين
اعتماد المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى برئاسة وزير الاتصالات لسياسة البيانات المفتوحة يمثل نقطة تحول مهمة فى رحلة التحول الرقمى المصرى، فهذه المرة لا نتحدث عن مشروع تجريبى أو مبادرة محدودة، بل عن أول إطار وطنى شامل يضع قاعدة واضحة: البيانات العامة غير الحساسة ملك للجميع.
السياسة الجديدة تمنح مصر فرصة ذهبية لتأسيس اقتصاد قائم على المعرفة، فعندما تصبح البيانات متاحة أمام الباحثين ورواد الأعمال والشركات الناشئة، فإن الباب يُفتح لابتكار تطبيقات جديدة وخدمات حكومية أكثر كفاءة، التجارب الدولية أثبتت أن الانفتاح على البيانات هو وقود أساسى لاقتصاد رقمى نابض بالحياة، يجذب استثمارات ويحفز المنافسة.
لكن القيمة لا تتوقف عند الاقتصاد وحده، فالبيانات المفتوحة تعنى أيضًا شفافية ومساءلة، المواطن والباحث والصحفى حين يحصلون على بيانات دقيقة ومحدثة من مصادر رسمية، يصبح بإمكانهم تقييم أداء الحكومة بموضوعية، وفهم أولويات السياسات العامة، والمشاركة فى النقاش العام على أساس معلومات لا انطباعات، هذه هى الطريقة الأنجع لبناء الثقة بين المواطن والدولة.
مع ذلك، يبقى التحدى الأكبر هو التطبيق، كثير من الجهات الحكومية قد تتردد فى نشر بياناتها، إما بدعوى السرية أو نتيجة ثقافة إدارية معتادة على الاحتفاظ بالمعلومات، هنا يبرز دور المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى، فى فرض الالتزام وتوحيد المعايير وضمان أن تصبح إتاحة البيانات القاعدة لا الاستثناء.
كما أن نجاح هذه السياسة يعتمد على جودة البيانات نفسها، فليس المطلوب مجرد جداول منشورة، بل بيانات موثوقة، محدثة، مصحوبة بتوصيف واضح يسهل استخدامها، لهذا يصبح إشراك المجتمع المدنى والقطاع الخاص أمرًا أساسيًا، إذ يوفران تغذية راجعة ترفع من جودة المحتوى وتعزز تفاعل المنظومة.
إن سياسة البيانات المفتوحة ليست غاية فى حد ذاتها، بل وسيلة لإطلاق طاقات الابتكار، وتحسين الخدمات العامة، وترسيخ مبادئ الشفافية، فإذا نُفذت بجدية وبتنسيق مؤسسى صارم، فإن مصر ستقترب خطوة كبيرة من بناء اقتصاد معرفى متكامل، وحكومة أكثر كفاءة، ومجتمع أكثر انفتاحًا على المستقبل.