رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

إهمال وأخطاء طبية وفواتير لا تنتهى

المرضي يفترشون الرصيف يا وزير الصحة

بوابة الوفد الإلكترونية

الإهمال يطارد كبار السن أمام بوابات العلاج
إكراميات الشفاء ظاهرة تزيد من معاناة مرضى المستشفيات الحكومية
الباعة الجائلون والمطاعم العشوائية يحاصرون المرضى.. والمستشفيات تتحول إلى بؤر للعدوى
 

كل يوم، تتوافد مئات الأسر إلى المستشفيات الحكومية فى مصر، حاملةً آمالًا فى الشفاء والعلاج، إلا أن الواقع غالبًا ما يكون قاسيًا ومختلفًا، خلف أبواب هذه الصروح الطبية، وتتكشف قصصًا من المعاناة والإهمال، وشكاوى متكررة تعكس خللًا عميقًا فى منظومة الرعاية الصحية.
مستشفى أحمد ماهر
وعلى غرار ذلك، يُعتبر مستشفى أحمد ماهر التعليمى أحد أقدم وأكبر المستشفيات الحكومية فى القاهرة، ورغم دوره الحيوى فى تقديم الرعاية الصحية لآلاف المواطنين، إلا أنه يواجه العديد من التحديات التى تُلقى بظلالها على المرضى وتُفاقم معاناتهم، «الوفد» كانت فى معايشة ميدانية داخل المستشفى، ورصدت شهادات ومعاناة المواطنين، ووسلطت الضوء على أبرز المشكلات التى تواجههم، من خلال رصد مشاهد حية وملاحظات مباشرة.
تُعتبر قضية الإهمال وسوء المعاملة من أبرز الشكاوى التى تتكرر، هناك قصص لمُسنين تم إلقاؤهم على الرصيف أمام المستشفى لعدم قدرتهم وتحملهم معاناة رحلة العلاج، بسبب ارتفاع تكاليف التحاليل ونقص الأجهزة بالمستشفى.
وفى بعض الحالات، يُجبر المرضى على تحمل روائح كريهة فى عنابر لا تتوافر بها أبسط معايير النظافة، كما تبين وجود حشرات فى الغرف، مما يجعلها بيئة غير مناسبة للشفاء، ويُضاف إلى ذلك أخطاء طبية جسيمة تسببت فى مضاعفات خطيرة لبعض المرضى.
طوابير الانتظار
أول ما يواجه المريض هو طوابير التسجيل الطويلة. قد يستغرق الأمر ساعات طويلة للحصول على تذكرة الدخول أو تسجيل بياناته، ثم ينتقل إلى طابور آخر لانتظار دوره فى العيادة الخارجية. وفى كثير من الأحيان، يضطر المرضى للعودة فى يوم آخر بسبب انتهاء ساعات العمل أو كثرة الحالات.
فى العيادات الخارجية، يُضطر المرضى للانتظار فى مقاعد متآكلة، وسط ضجيج وصخب لا ينتهى، حيث تتداخل شكاوى المرضى مع صوت الأطباء والممرضين. وقد يضطر المريض إلى الانتظار لساعات طويلة، ليكتشف فى النهاية أن الطبيب قد غادر أو أن موعده قد تأجل.
فى غرف الأشعة والتحاليل، لا يختلف الوضع كثيرًا، فبسبب نقص الأجهزة أو تعطلها المتكرر، قد يُطلب من المريض العودة فى يوم آخر أو الذهاب إلى مركز خارجى لإجراء الفحوصات، مما يضيف عبئًا ماليًا ووقتًا ضائعًا على المريض وأسرته.
نقص الإمكانيات
يعانى المستشفى من نقص فى الإمكانيات والأجهزة الطبية، فبعض الأجهزة الحيوية مثل أجهزة الأشعة والتحاليل تتعرض لأعطال متكررة بسبب عدم توافر قطع الغيار، مما يؤثر على دقة التشخيص وسرعة العلاج، كما يوجد نقص فى عدد الأطباء والتمريض، ويواجه المرضى صعوبة فى الحصول على الرعاية اللازمة، حيث يُترك بعضهم لساعات طويلة دون متابعة، ويُضطر البعض إلى دفع «إكراميات» للممرضين للحصول على اهتمامهم.
والمستشفى لا يخلو من نقص المتابعة الطبية، حيث يشكو الكثير من المرضى من نقص الاهتمام والمتابعة من قبل الأطباء والممرضين، ويشعرون بأنهم مجرد أرقام فى قوائم انتظار طويلة، وقد يضطر بعض المرضى إلى دفع «إكراميات» لضمان الحصول على رعاية واهتمام كافيين، أما عن نقص المستلزمات، فقد يُطلب من المريض أو ذويه شراء بعض الأدوية أو المستلزمات الطبية من الخارج، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الأسر محدودة الدخل.


قصص الألم
خلف الجدران المستشفى، تُحكى قصصٌ من الألم والأمل، من الصبر والمرارة، قصة محمد.خ. ووالدته واحدة من تلك القصص التى تروى تفاصيل رحلة علاج فى مستشفى أحمد ماهر التعليمى، رحلة لم تكن مجرد علاج لجسد مريض، بل كانت اختبارًا قاسيًا لإنسانية المكان وخدماته.
كانت البداية معتادة، سيارة إسعاف تنطلق إلى المستشفى، لكن ما أن وصل محمد ووالدته إلى بوابة الطوارئ، حتى وجدا أن المعركة الأولى ليست مع المرض، بل مع الزحام. «كان فى تزاحم كبير على شباك التذاكر، وعلى بوابة الاستقبال»، يحكى محمد بصوت مُتعب، «كثرة عدد المواطنين كانت بصراحة من أكبر التحديات فى أول خطوة لنا». ساعاتٌ من الانتظار فى طوابير لا تنتهى، للحصول على مجرد تذكرة دخول.
أخطاء طبية
بمجرد أن تمكنا من الدخول، بدأت المعاناة تأخذ شكلًا آخر، يصف محمد المعاملة داخل المستشفى بأنها «لم تكن الأفضل». يذكر أن معظم الأطباء والممرضين كانوا تحت التدريب، مما أثر بشكل مباشر على جودة الخدمة. «عانى الكثير من الأطباء والممرضات من أخطاء فى أثناء سحب العينات»، يقول محمد بمرارة، «كانوا يحقنون والدتى فى الشريان بدلًا من الوريد، وده كان يتسبب لها فى تورم وألم شديد ومضاعفات خطيرة». كانت تلك الأخطاء تزيد من آلام والدته الجسدية والنفسية، وتزيد من قلقه عليها. كانت كل خطوة نحو العلاج مصحوبة بعبء نفسى ثقيل، فكيف يطمئن المرء على من يحب وهو يرى مثل هذه الأخطاء المتكررة؟
فواتير لا تنتهي
بعد كل هذا العناء، تمكنوا من فتح ملف والبحث عن سرير، ليُفاجئوا بمشكلة أخرى. يروى محمد كيف أن الطبيب المختص كتب لوالدته روشتة تحاليل وأشعة ضرورية، ووجههم لإجرائها خارج المستشفى. «المستشفى ما فيهاش الأجهزة دي»، كانت هذه هى الإجابة التى سمعوها. خرج محمد للبحث عن مركز أشعة خاص، ليجد أن تكلفة الأشعة المقطعية وحدها تزيد على 5000 جنيه، بالإضافة إلى تكلفة التحاليل التى تراوحت بين 2000 و3000 جنيه. «كل ده عشان لسه بنبدأ رحلة العلاج!» يقول محمد بصدمة: «ناهيك عن بعض العلاجات والمحاليل اللى كنا بنشتريها من الصيدليات الخارجية». تحولت رحلة العلاج المجانى إلى عبء مالى لا يطاق.
هروب من الواقع
لم تكن المعاناة جسدية ومالية فحسب، بل كانت نفسية أيضًا. حيث يصف محمد كيف أن وجود معظم الأطباء تحت التدريب زاد من قلق والدته، وأثر على حالتها النفسية، ويقول محمد: اضطررنا أن ننقلها إلى مستشفى آخر.. حاول محمد ووالدته تقديم شكاوى لإدارة المستشفى، لكن دون جدوى. بل على العكس، كان بعض الممرضين يتعمدون التعنت فى المعاملة.
الهروب
فى النهاية، كان القرار بالهروب من هذا الواقع هو الحل الوحيد. حيث غادر محمد ووالدته مستشفى أحمد ماهر، حاملين آلامًا جسدية جديدة، وعبئًا نفسيًا وماليًا ثقيلًا. رحلة لم تكن مجرد علاج، بل كانت شهادة على معاناة إنسانية، ونداءً لأجل إصلاح شامل يضمن للمرضى الكرامة والرعاية التى يستحقونها.
الفوضى المحيطة بالمستشفى
تتفاقم معاناة المرضى حتى قبل دخولهم المستشفى، بسبب الفوضى التى يخلقها الباعة الجائلون أمام البوابات. هذه الفوضى تُعيق دخول المرضى وسيارات الإسعاف، وتُحوّل المنطقة المحيطة إلى مقلب للقمامة، مما يُهدد صحة المرضى ويُفاقم من آلامهم، خاصة مرضى الغسيل الكلوى الذين يحتاجون إلى الوصول بسرعة.
ياسر وأخوه
فى زحام الحياة، قد يظن البعض أن رحلة العلاج فى مستشفى حكومى هى مجرد إجراءات روتينية، لكن بالنسبة لياسر خلف الله وشقيقه، تحولت هذه الرحلة إلى صراع مرير مع الألم الجسدى والإهمال. هذه القصة تروى تفاصيل معاناة حقيقية، وكيف دفع اليأس والألم أخًا مريضًا للهروب حافيًا من سريره فى العناية المركزة، بحثًا عن مكان أكثر أمانًا وراحة.
«كانت العادة المتكررة فى كل مستشفى حكومي»، هكذا بدأ ياسر روايته، واصفًا رحلة الدخول إلى مستشفى أحمد ماهر. ساعاتٌ طويلة ضاعت فى طوابير تسجيل البيانات وحجز السرير، ليتمكن أخيرًا من إدخال أخيه الذى كان يعانى من نزيف فى المخ إلى العناية المركزة. كانت فرحة ياسر مؤقتة، فبعد وقت قصير، بدأت المعاناة الحقيقية.
صراع داخل الأسوار
ياسر يروى كيف أن أخاه لم يستطع تحمل الخدمة المقدمة داخل المستشفى. «كان الإهمال سيد الموقف»، يقول ياسر بمرارة:  كان أخوه يحاول باستمرار الهروب من سريره، بحثًا عن بيئة آمنة أفضل لاستكمال رحلة علاجه. ياسر كان يحاول تهدئة أخيه وإقناعه بالبقاء، لكنه كان يشعر بالخوف والقلق، ووصل الأمر إلى حد رؤية أخيه يدخل فى مشادات مع بعض المرضى. هذا الضغط النفسى المتزايد كان يلقى بظلاله على حالة المريض، ويزيد من معاناته.
القرار الصعب
فى لحظة يأس، تمكن أخو ياسر من تنفيذ ما كان يحاوله منذ فترة. «تمكن أخى من الهروب من المستشفى، وهو يرتدى روب العناية المركزة، حافيًا وبدون حذاء»، يصف ياسر هذه اللحظة بذهول: كان المريض يعانى من نزيف فى المخ، ومع ذلك، لم يجد فى المستشفى مكانًا آمنًا لراحته. حاول أفراد الأمن منعه من الخروج، لكن إصراره على الهروب كان أقوى من كل المحاولات.
هذه القصة ليست مجرد حكاية فردية، بل هى مرآة تعكس الواقع الصعب الذى يواجهه المرضى فى بعض المستشفيات الحكومية. إنها قصة عن غياب الرعاية، ونقص الاهتمام، والإهمال الذى يدفع المريض إلى الهرب من المكان الذى من المفترض أن يجد فيه الأمان والشفاء. إنها قصة تكسر القلوب، وتدفعنا للتساؤل: إلى متى ستظل المستشفيات الحكومية ساحة للمعاناة بدلًا من أن تكون ملاذًا للشفاء؟
رغم أن هناك العديد من الأطباء والممرضين الأكفاء الذين يعملون بإخلاص فى القطاع الحكومى، إلا أن ظروف العمل الصعبة ونقص الكوادر يؤديان إلى تراجع مستوى الخدمة فى بعض الأحيان، بجانب الإرهاق والضغط النفسى، يعمل الأطباء والممرضون فى المستشفيات الحكومية لساعات طويلة، وبأعداد قليلة مقارنة بحجم المرضى الهائل. هذا الضغط يؤدى إلى إرهاقهم، مما قد يؤثر على دقة التشخيص وسرعة اتخاذ القرارات.
سوء المعاملة، يتلقى بعض المرضى وذووهم معاملة سيئة من بعض العاملين فى المستشفيات، من إهمال فى المتابعة إلى حديث غير لائق. هذه المعاملة تُفاقم من آلام المريض وتؤثر على حالته النفسية، خاصة فى ظل شعوره بالعجز والضعف.


الفساد الإداري
الفساد الإدارى، تنتشر ظاهرة «الإكراميات» فى بعض المستشفيات، حيث يضطر المريض أو ذووه إلى دفع مبالغ إضافية للحصول على رعاية أفضل أو لإنهاء الإجراءات بسرعة، هذه الظاهرة تجعل من الحصول على العلاج حقًا للبعض وامتيازًا للآخرين، وتتجاوز معاناة المريض حدود نقص الإمكانيات لتصل إلى البيئة المحيطة به داخل وخارج المستشفى، مما يؤثر على عملية الشفاء.
تفتقر أحمد ماهر، إلى أدنى معايير النظافة، فترى القمامة ملقاة فى الممرات، ودورات المياه غير نظيفة، مما يجعلها بيئة مناسبة لانتشار العدوى والأمراض، كما تؤثر فوضى الباعة الجائلين، على أداء المستشفى، حيث تتجمع أعداد كبيرة من الباعة الجائلين أمام بوابات المستشفيات، مما يؤدى إلى فوضى عارمة ويعيق حركة سيارات الإسعاف ودخول وخروج المرضى، بجانب نقص الأمان، أحيانًا تحدث مشاجرات بين أهالى المرضى والعاملين فى المستشفى، مما يخلق حالة من انعدام الأمان للمريض الذى يرقد فى غرفته، ويزيد من الضغوط على العاملين.
دعوة للإصلاح الشامل
إن مشاكل المستشفيات الحكومية فى مصر ليست مجرد حوادث فردية، بل هى نتاج تراكمات سنوات طويلة من الإهمال والقصور فى التخطيط. يتطلب إصلاح هذا القطاع جهودًا شاملة من الحكومة والمجتمع المدنى، بدءًا من زيادة الميزانيات المخصصة للرعاية الصحية، وصولًا إلى تدريب الكوادر الطبية على التعامل الإنسانى مع المرضى، وتطبيق آليات رقابة صارمة لمحاسبة المقصرين، فالصحة حق أساسى لكل مواطن، وليست ترفًا لمن يملكون المال.