«ياخبر»
فى خطاب تنصيبه قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إنه عاد إلى البيت الأبيض ليحقق السلام فى العالم، وإنه لو كان موجودا فى السلطة بدلا من سلفه بايدن لما وقعت كل تلك الحروب، وإنه سيسعى جاهدا لتصفير الحروب، كلها وعود براقة وعظيمة ولكن السؤال: هل فعل ترامب حقا ما وعد به؟، أو بطريقة أخرى: هل سعى ترامب على الأقل للوفاء بوعده؟، الإجابة الحقيقية من واقع ما حدث ويحدث فى العالم فى ظل وجود ترامب وبعد تسعة أشهر تقريبا من توليه السلطة هي: لا، لم يفعل شيئا مما وعد به، ولم يتبع خطوات ثابتة لتحقيق السلام، بل على العكس الأمور فى وجوده ازدادت تعقيدا فى غزة على سبيل المثال.
< اتبع الرئيس ترامب سياسة انتهازية اندفاعية كلها تناقضات تجاه غزة والشرق الأوسط، وبدا واضحا الآن أكثر من أى وقت مضى أن الرئيس ترامب يتطابق فى الرؤية فيما يخص مصير غزة والقضية الفلسطينية برمتها مع الإحتلال الإسرائيلي، الآن ترامب يرفض علانية حل الدولتين وتوعد بمعاقبة الدول التى قالت إنها ستعترف بدولة فلسطين فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى اجتماعها هذا الشهر، ومنع منح تأشيرات للرئيس الفلسطينى محمود عباس و80 مسئولا فلسطينيا آخر إلى نيويورك، بحجة عدم إدانتهم هجمات السابع من أكتوبر، ليحول بذلك دون عقد مؤتمر حل الدولتين المقرر أثناء انعقاد الجمعية العامة، وفى الضفة الغربية يدعم ترامب عمليات التوغل من جانب جيش الاحتلال لابتلاع الضفة وتوسيع رقعة الاستيطان حتى لا يكون هناك أى مكان لحل الدولتين، وبعد أن كانت الولايات المتحدة ممثلة فى مبعوث الرئيس الأمريكى، ستيف ويتكوف، تقترح صفقات جزئية لإنهاء الحرب وتبادل الرهائن فى غزة وبعد أن وافقت حماس على مقترح ويتكوف الأخير ورفضته إسرائيل، الآن يعلنها الرئيس ترامب صراحة: لا مكان لصفقات جزئية ويدعم العملية العسكرية المرتقبة من جانب إسرائيل لاحتلال غزة ويأمر نتنياهو بإنهاء الأمر عسكريا، السؤال الذى يطرح نفسه: أين السلام الذى تحدث عنه الرئيس ترامب من كل ما سبق؟، الإجابة: لا يوجد سلام ولا حتى كلام.
< كما أنه لا يمكن فهم اللقاء الذى جمع ترامب الأسبوع الماضى بمستشاره السابق، جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء البريطانى السابق، تونى بلير، لمناقشة «اليوم التالى» فى غزة، إلا فى سياق استمرار نهج ترامب المتناقض، شأنه شأن تعيين الرئيس ترامب لشخصيات مؤيدة للمستوطنات مثل السفير الأمريكى بإسرائيل، مايك هاكابى، الذى يتبنى أجندة استيطانية تعرقل جهود السلام.
< تتجلى قمة ازدواجية مواقف الولايات المتحدة، عندما أعلن الرئيس ترامب عن وجود خطة لإعادة إعمار قطاع غزة بالسيطرة عليه وطرد سكانه بالتهجير وقال إن كل هذا سيفعله بـ «سلطة الولايات المتحدة» ولا مكان لسيادة الدول أو للقانون الدولي!!
< ومن ضمن السياسات الأمريكية المتناقضة تجاه غزة أيضا ما حدث فى ملف المساعدات الأمريكية، فقد تم تفكيك بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية فى الضفة وغزة بعد ثلاثة عقود من العمل، ثم أنشأت السفارة الأمريكية فى الوقت ذاته «وحدة جديدة لتنسيق المساعدات» تضم موظفى الوكالة المذكورة.. ومن متناقضات نهج الرئيس ترامب، أيضا أنه ينتقد بشدة وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، بينما يسعى للتنسيق معها لتسهيل أعمال مؤسسة غزة الإنسانية التى فرضتها الولايات المتحدة على القطاع بالتعاون مع إسرائيل، والتى كانت بمثابة مصيدة للجوعى الذين يذهبون لتلقى المساعدات، حيث يتم قصفهم على مسمع ومرأى من العالم والكاميرات صورت ذلك، فكم تخضب الدقيق بالدم، ومن ضمن التناقض أيضا فى هذا الملف إنكار الولايات المتحدة دائما أن إسرائيل تمارس سياسة التجويع بحق سكان غزة، وكم دافعت مندوبة الولايات المتحدة فى مجلس الأمن عن إسرائيل ورفضت اتهامها بهذه الجريمة رغم أن العالم كله أدرك وعرف أن إسرائيل هى من تطبق الحصار على أهل غزة بالتجويع والقتل لإجبارهم على مغادرة أراضيهم لإخلائها لمشروع ترامب.
< الشاهد أننا بصدد غياب رؤية أمريكية واضحة لإنهاء النزاع أو معالجة تبعاته الإنسانية، فالرؤية الأمريكية المنحازة لإسرائيل لا تعرف شيئا عن الحق والعدل والإنسانية، هى فقط تريد فرصة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط على المقاس والمزاج الإسرائيلى.