رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

«ولد الهدى».. كيف تغنى الفن المصري بمديح النبي ﷺ عبر العقود

بوابة الوفد الإلكترونية

في كل ذكرى لميلاد خير الأنام محمدﷺ، يغدو الفن في مصر شاهدًا حيًّا على محبةٍ لم تخفت عبر العصور، فمنذ أن صدحت أم كلثوم بصوتها المهيب في «وُلد الهدى»، إلى أن لهجت ليلى مراد بالشوق في «يا رايحين للنبي الغالي»، مرورًا بابتهالات النقشبندي والفشني، وصولًا إلى المعاصرين، ظلّت أنغام النيل ترتّل حبًّا للرسول الكريم، وتمزج بين الروحانية والجمال الفني.
 

أم كلثوم وشوقي.. أيقونات المديح

في أكتوبر 1949، وقفت كوكب الشرق أم كلثوم في حديقة النادي الأهلي بالقاهرة تُنشِد رائعة أحمد شوقي «وُلد الهدى فالكائنات ضياءُ … وفمُ الزمان تبسُّمٌ وثناءُ» بلحن رياض السنباطي، وقدّمت منها 34 بيتًا.

 لم تكن تلك المرة الأولى، فقد غنّت أيضًا «نهج البردة» عام 1946 وتستهلها بقول شوقي «محمد صفوةُ الباري ورحمتُهُ … وبُغيةُ الله من خَلقٍ ومن نَسَمِ».


كما أنشدت «إلى عرفاتِ الله يا خيرَ زائرٍ … عليك سلامُ الله في عرفاتِ» عام 1951، وقصيدة «سلوا قلبي غداةَ سلا وتابا … لعلّ على الجَمال له عتابا»، تلك الرباعية من شوقي/السنباطي شكّلت مدرسة كاملة في المديح الغنائي، مزجت الشعر الكلاسيكي بالأداء الكلثومي المهيب.

ليلى مراد.. من شاشة السينما إلى قلوب الملايين

في فيلم «بنت الأكابر» (1950)، قدّمت ليلى مراد أغنيتها الشهيرة «يا رايحين للنبي الغالي … هنيلكم وزيارة هنية». الأغنية كتبها أبو السعود الإبياري استجابة لطلب ليلى التي كانت تتوق للحج بعد إعلان إسلامها، ولم تستطع السفر وقتها بسبب ارتباطها بالتصوير، وجاء اللحن بسيطًا لكنه صادقًا، ليعبّر عن شوقها لزيارة بيت الله الحرام ورؤية النبي الكريم، الأغنية ما زالت حتى اليوم من أبرز ما يُذاع في موسم المولد والحج معًا.

النقشبندي والفشني.. أصوات السماء

لمع صوت الشيخ سيد النقشبندي كأشهر المبتهلين، ومن أبرز ما أنشد ابتهاله الخالد «مولاي إني ببابك قد بسطتُ يدي … من لي ألوذُ به إلاك يا سندي» من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان بليغ حمدي. 

كما أنشد أيضًا «لما بدا في الأفق نور محمد … كالبدر في الإشراق عند كماله»، الذي لا تزال إذاعة القرآن الكريم تبثه قبل الأذان.


أما الشيخ طه الفشني، فقد ترك إرثًا من التواشيح، منها «يا أيها المختارُ من خيرِ الورى … يا من له الأخلاقُ ما تهوى الملا»، وتوشيح «يا آل بيتِ رسولِ الله حبُّكمُ … فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ».

 

عبد الحليم حافظ.. «روح له المدينة» وإثارة الجدل

في حوار تلفزيوني، قدّم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أغنية قصيرة في مدح الرسول على لحن أغنيته العاطفية الشهيرة «أبو عيون جريئة»، قال في مطلعها: «روحوله روحوله روحوله روحوله المدينة … روحوله وشاهدوا وباركوا وعاهدوا نبينا».


الأغنية أثارت جدلًا واسعًا لاحقًا لكونها مأخوذة من لحن عاطفي، لكن مقربين منه أكدوا أن حليم كان محبًا للنبي ﷺ، وأنه غنّاها بتأثر شديد استجابة لطلب الجمهور، حتى أن المذيع محمد شبانة كشف أن رواد الموالد كانوا يغيرون كلمات أغنياته ليجعلوها في مدح الرسول.

 

المسرح والسينما.. المولد حيًّا على الخشبة والشاشة

لم تغب أجواء الموالد عن السينما المصرية؛ ففي فيلم «المولد» لعادل إمام كان المولد الشعبي إطارًا للأحداث، بينما قدّم المسرح الغنائي لوحات صوفية خالدة بألحان سيد مكاوي وكلمات صلاح جاهين في أعمال مثل «الوزير العاشق».

منير والمعاصرون.. المديح في ثوب جديد

امتد تراث المديح إلى الجيل المعاصر، حيث قدّم محمد منير أغنيته الشهيرة «مدد يا رسول الله … مدد علينا» بمزج موسيقي حديث. 

كما غنى إيهاب توفيق «يا رسول الله»، وقدّم حمادة هلال أغنية «محمد نبينا».

 وعلى الصعيد العالمي، لاقت أعمال مثل «المعلّم» لسامي يوسف و*«يا نبي سلام عليك»* لماهر زين صدى واسعًا في الوطن العربي والعالم الإسلامي. 

كما ساهم مطربون مصريون مثل محمد ثروت («روضة الهادي نبينا») وحسين الجسمي («على النبي صلوا») في إثراء هذا اللون.

 

حين يصبح الفن دعاءً

من «وُلد الهدى» لأم كلثوم، إلى «يا رايحين للنبي الغالي» لليلى مراد، مرورًا بابتهالات النقشبندي والفشني، وأغنية عبد الحليم المثيرة للجدل، ووصولًا إلى أعمال منير والمعاصرين، يتضح أن حب النبي ﷺ كان وسيظل مصدر إلهام عظيم للفن المصري. 

وفي يوم المولد الشريف كاليوم، تتحوّل الأغنية والابتهال إلى دعاءٍ جماعي، يجمع بين الجمال الفني والروحانية الصادقة، لتظل «أنغام المحبة» جسراً حيًّا بين الماضي والحاضر.