اتجـــــاه
مالا يتماشى أبداّ، مع دعوات ترشيح الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لنيل جائزة «نوبل» للسلام، أن يتحدث هذا الرئيس بلغة الحرب نفسها، التى خصصت الجائزة لجهود إحلال الحرب بالسلام، وليس كما يتفاخر بقوة بلاده، كما لو أنه يلوح بتهديدات، لأى دولة لا تخضع لتوجهاته السياسية، عندما طلب من إدارته، العمل على تغيير إسم وزارة الدفاع «البنتاجون»، إلى وزارة الحرب، والتى كان أسسها الرئيس، جورج واشنطن، فى العام 1789، بعد حرب الاستقلال، إلى أن أعاد الرئيس، هارى ترومان، تسميتها إلى وزارة الدفاع، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعامين-فى العام 1947، وفى الحين «ترامب» لا يريدها للدفاع فقط، بقدر ما يريدها للهجوم أيضاّ.
كيف لرئيس يطرح نفسه «رجل سلام»، ويتحدث- فى الوقت نفسه- بلغة الحرب.. حتى لو أتت النتيجة، بأن يحصل هذا الرئيس «ترامب» على الجائزة، بالترهيب والترغيب المعتاد فى السياسة الأمريكية، لكن سيبقى فى الذاكرة الإنسانية، أن لا أساس أخلاقى ولا قانونى، سيكون سنداّ موثقاّ لهذه النتيجة، طالما غلبته لغة الحرب، واشاعته لتوترات اقتصادية، تهدد الأمن والسلم حول العالم، كما والمنطق أن تظل مواقفه الداعمة لإسرائيل، فى حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين فى قطاع غزة، مانعاّ أخلاقياّ وإنسانياّ، لأن يتورط مجلس أمناء «نوبل»، فى منحه «ترامب» الجائزة، إذا ما أُحِيط أعضاء المجلس، بتفاصيل هذا الدعم القاتل للأبرياء، فضلاّ على التورط فى ضرب إيران.
وبرغم اندفاع «ترامب» ورغبته الجامحة، فى أن ينول شرف «نوبل»، غير أن سلوكه العنيف والمتغير، لن يضمن له فرصة حقيقية، فى الذهاب باتجاه الجائزة بمنطق الاستحقاق، وفى سجل تصرفاته «المتهورة»، خطابه «الانقسامى» بين الأمريكيين، على المستويين الرسمى والشعبى، منذ تولى مسئولية الرئاسة، فى 20 يناير الماضى، وما عليه من مؤاخذات، فى رئاسته الأولى 2016، عندما قرر انسحاب بلاده، من اتفاق إيران النووى، ودون ذلك، الانسحاب من اتفاقية «باريس» للمناخ، وهى تصرفات تقوض أى جهود دولية، لإحلال السلام والتعاون، فيما تظل أحداث اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس، يوم 6 يناير 2021، بصمة «جريمة» تهديد للديمقراطية، يتعين أن تحرمه من امتياز «نوبل».
ربما يظن الرئيس «ترامب»، أن الترشيح الإسرائيلى، قد يوفر له فرصة الدعم اليهودى، كما الحال فى مؤسسات دولية، ومن بينها مؤسسة «نوبل» نفسها، لأنه يعتقد مدى وقدرة تأثيرهم، وهنا صفقة مدفوعة مسبقًا، يتبادل فيها الطرفان المنفعة، على طريقة النظرية «ذيل الكلب»، أن الـ«ذيل» يحرك صاحبه، وإسرائيل- هنا- هى الـ«ديل»، تحرك أمريكا، تماشيًا مع أطماعها التوسعية والعدوانية، وليس لصالح السياسة الأمريكية نفسها، مثلما الواقع، بالدعم المطلق فى حروبها، وما يجرى فى غزة بالذات، من منطق «ترامب» بالتهجير، وكلامه عن قتل وتدمير «حماس»، وبالتالى نفهم قوة الترابط بين الطرفين، فى أن ينال «ترامب» الجائزة، وتواصل إسرائيل عدوانها.
لو قارنا مثلاّ، رغبة «ترامب» فى «نوبل»، مع أى من الرئيسين الأسبقين، الأمريكى باراك أوباما، وقد نالها رغم الجدل حولها، فى العام 2009، عن جهوده لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب، ووعوده بالحد من الأسلحة النووية.. والجنوب أفريقى، نيلسون مانديلا، الذى استحقها، فى العام 1993، عن نضاله لتفكيك نظام الفصل العنصرى «أبارتايد»، والانتقال السلمى للسلطة فى بلاده، وصار رمزًا عالميًّا للسلام والمصالحة، وفى الحالتين ما لا أثر ولا شبيه لمقتضيات ترشيح «ترامب» للجائزة، وهو تقييم محايد للأفعال وليست الادعاءات بإنجازات واتفاقات سلام، ربما غير كافية، وقد أحسن محامون مغاربة وعرب، بأن طالبوا مؤسسات ومنظمات دولية، لرفض ترشيح «ترامب» لـ«نوبل 2025».. إنه لا يستوفى شروط امتياز «نوبل».