كارثة الذباب والمياه الملوثة تهدد صحة أسيوط

الذباب والمياه الملوثة يتربصان بأهالي أسيوط في مشهد مرعب يجسد أقصى صور الإهمال، حيث تتعانق الروائح الكريهة مع برك المياه الراكدة، ويتحول الشرب من الصنبور إلى مغامرة محفوفة بالموت البطيء، بينما يكتفي المسؤولون بالوعود والتصريحات، تاركين محافظة كاملة فريسة لوباء بيئي وصحي يلتهم الأجساد قبل أن يلتهم الضمائر.
الذباب المياه تلوث أسيوط… تفاصيل الأزمة
أكد المواطن أحمد سيد من نزلة عبدالله انتشار الذباب بشكل رهيب فوق الأحواض والمواسير المفتوحة وتزايد الروائح الكريهة، كما أكد أن المياه بها نسب عالية من الأملاح والحديد والمنجنيز مما جعل تركيب الفلاتر أمراً مؤقتاً وغير فعال بسبب كثرة الشوائب التي تتلف الفلاتر سريعاً. وأشار إلى أن الذباب يتكاثر بسبب بقع المياه الراكدة المفتوحة أمام المنازل، مطالباً بتحرك جاد من شركة المياه والجهات المختصة.
أوضحت نجاح محمد، موظفة بإحدي شركات فطاع الأعمال بأسيوط، أن هناك 11 بئراً ارتوازية غير مطابقة للمواصفات في منطقة نزلة عبدالله بسبب ارتفاع نسب المنجنيز والحديد، مما ينذر بخطورة كبيرة لصحة الأهالي، وقالت إن الذباب يجذب إليه هذه المياه الملوثة، مما يزيد الكارثة.

قال فني تشغيل بمحطة مياه البدارى “رفض ذكر إسمه” إن منظومة الكلور بها معيبة، والكلور قد يصل لنسب قاتلة تصل إلى 400 بدلاً من 100 ما يعرض المواطنين لتسمم، بينما الذباب يستفيد من التسريبات والمياه الآسنة المتراكمة.
أضاف الدكتور مسعود عبد الكريم، طبيب بشري، أن نسبة المصابين بالفشل الكلوي في ازدياد مستمر، وأن السبب الأساسي هو تلوث المياه. وأشار إلى أن الذباب يُعد ناقلاً للأوبئة ويزيد من انتشار الأمراض الجلدية والجهازية بين المرضى.
صرح الدكتور محمد عاطف، كيميائي بأحد المعامل بأسيوط، أن النسب المسموح بها من الحديد (0.3٪) والمنجنيز (0.4٪) وأمونيًا (0.5٪) يتم تجاوزها في مياه الشرب فعليًا، بحيث يؤدي ذلك إلى أمراض الكلى، وأن الذباب يتغذى على هذه المياه الملوثة ويزيد من انتشار البكتيريا الضارة.
نوه المهندس عادل عاشور، خبير تنموي، بأن نسبة المياه غير المطابقة للمواصفات تصل إلى 0.3٪ فقط، وأن منظومات الكلور تعمل حالياً لتفادي التلوث، مدعياً أن الذباب ليس مشكلة جوهرية وإن كانت المياه جوفية بطبيعتها، لكنه لم يُقنع الأهالي الذين يرون العكس تماماً.

أشار الأهالي في قرية الحمام التابعة لمركز أبنوب إلى بُنى قاهرة في ترعة القرية تحولت إلى مستنقع للقمامة والحيوانات النافقة، ما جعله بيئة خصبة لتكاثر الذباب وانتشار الأمراض الجلدية والمعوية. وأكدوا أن آخر تنظيف للترعة كان منذ عام، وأن مطلقات الصرف التسويحية لا تزال برجاء.
نوه أهالي قرية رزقة الخطبة بأن المياه خرجت من الحنفيات بلون أسود ورائحة كريهة منذ أكثر من عام. وقال محمد شامخ إن المياه لا تصلح حتى للري، وأن الذباب يلتصق بعبوات المياه المفتوحة، مما أفقدهم الأمان على أطفالهم.
أوضح عبدالمنعم محمد من الخطبة أن المحاولات باستخدام الفلاتر والطلمبات الحبشية لم تنجح، لأن الذباب يتكاثر في الأماكن التي تُخزن فيها المياه ويعلق على صماماتها ومداخلها.
أشار محمد الشويحي بأن المياه أصبحت مقززة، وصب اللوم على الشركات والمجلس دون استجابة فعلية. وأضاف أن الذباب بات جزءاً من الحياة اليومية، و"الذباب المياه تلوث أسيوط" أصبحت عبارة تطاردهم في كل زاوية.
أكد محمود حسن أحد الأهالي بقرية قرقارص أنهم يشربون مياهاً بها صدأ وديدان، وأن الفلاتر لا تعمل، وظهرت آفة الذباب بوضوح على برك المياه المفتوحة والخطوط المتهالكة، مما دفعهم لعبور السكة الحديد الى قرى مجاورة للحصول على كوب ماء نظيف.

نوهت مصادر رسمية بأن عدد المحطات الارتوازية غير المطابقة كيميائياً يبلغ 746، منها 24 غير مطابقة بكتيريولوجياً، وهناك 399 عينة غير مطابقة كيميائياً في الشبكات و92 بكتيريولوجياً — ما يجعل "الذباب المياه تلوث أسيوط" واقعا لا يمكن تجاهله.
أعلن محافظ أسيوط عن انطلاق مبادرات لتنظيف نهر النيل من المخلفات الصلبة (سبتمبر 2024)، ولكن لم يلمس الأهالي أثرًا لحماية المياه أو تقليل الذباب الذي يتكاثر في الترع والبرك المُلوثة.
صرح خبراء مكافحة الحشرات بتوصيات مهمة: تجنّب ترك المياه الراكدة في الأماكن المفتوحة، والتحكم في مزارع الذباب عبر الصيانة المستمرة، لكن يبدو أن هذه التوصيات لم تُطبق بعد على أرض الواقع في أسيوط.
استدرك الأهالي بأن المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر بصورة واسعة تحمل وصفاً حذراً للمسؤولين — “المحافظ مسؤول لكن لا يمكنه رفع قضايا سب وقذف إن تحدثنا بحذر قانوني”، كما كتب بعضهم، مما يعكس إحساسهم بالعجز الرسمي المحاصر بالتعقيدات القانونية.

سبب استمرار الكارثة:
أكد المواطن أحمد يوسف تدهور البنية التحتية لمحطات المياه والكلور المعطل والاعتماد المفرط على الآبار الارتوازية غير المعقمة والمعالجة، وانتشار التسريبات التي تجذب الذباب.
وأضاف الإهمال الرسمي والتقاعس عن تنظيف الترع والمصبات التي تُغذي بالحشرات والأمراض، وضعف التفاعل مع الشكاوى المُقدمة من المواطنين رغم انتشار الصور والفيديوهات عبر «السوشيال ميديا».
الواقع الصادم لأسيوط: الذباب والمياه الملوثة تهدد الصحة العامة
انتشار الذباب وتلوث المياه في أسيوط ليست مجرد أكذوبة أو إشاعة، بل كارثة بيئية وصحية مستمرة، تتزايد مع غياب إرادة حقيقية من السلطات عن التنفيذ والمحاسبة. ورغم أن الأهالي يقولون بحذر قانوني، فإن صوتهم أصبح صارخًا: "الذباب المياه تلوث أسيوط" "الذباب المياه تلوث أسيوط" "الذباب المياه تلوث أسيوط" "الذباب المياه تلوث أسيوط" "الذباب المياه تلوث أسيوط".
وهكذا، تظل أسيوط عالقة بين أجنحة الذباب ودوامة المياه الملوثة، في معركة غير متكافئة يدفع ثمنها الفقراء والأطفال قبل غيرهم، بينما يظل صمت المسؤولين وتباطؤهم وقوداً لاشتعال الكارثة يوماً بعد يوم. وإذا لم تتحرك الجهات المعنية بخطوات جادة وحاسمة، فلن تكون المسألة مجرد أزمة بيئية، بل جريمة مكتملة الأركان بحق محافظة كاملة تُترك لتغرق في الإهمال، حتى تصبح الحياة فيها رفاهية لا ينالها إلا من يملك القدرة على الهرب.