رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

حكايات الكبار الذين تجاوزوا المنصات


في عالم الفن والأدب، تلمع أسماء الفائزين بالجوائز كما تلمع الميداليات في سباقات الأولمبياد. تُسلَّط الأضواء، وتلتقط الصور، وتتصدر العناوين. لكن، هل يعني غياب هذا البريق أن المبدع قد فشل؟

الإجابة ببساطة: لا.

التاريخ مليء بشواهد تثبت أن الجوائز ليست المقياس الأوحد، وربما ليست المقياس الأهم، لقيمة العمل الفني أو الأدبي. فـ فرانز كافكا، الذي تُدرّس نصوصه اليوم في جامعات العالم، لم ينل أي جائزة في حياته. جيمس جويس، صاحب عوليس التي غيّرت مسار الرواية الحديثة، لم يضع على رفّه جائزة كبرى. خورخي لويس بورخيس لم يحظَ بنوبل رغم ترشيحه المتكرر، وليو تولستوي لم ينلها رغم مكانته الأسطورية. حتى فيرجينيا وولف، أيقونة الأدب النسوي، رحلت قبل أن تحصد تكريمًا يليق بحجم أثرها.

وليس الغرب وحده من شهد ذلك. في العالم العربي، نجد ميخائيل نعيمة، رائد النقد والأدب المهجري، لم تحمله الجوائز لكنه حمل أجيالًا على أكتاف كلماته. عبد الرحمن منيف كتب مدن الملح ليحفر وعيًا جديدًا، بعيدًا عن أي منصة رسمية. إبراهيم الكوني، الذي تُرجمت رواياته إلى عشرات اللغات، وصلاح عبد الصبور الذي غيّر وجه الشعر العربي، وغسان كنفاني الذي صار رمزًا رغم أن رصاص الاغتيال سبقه إلى المنصات.

لماذا إذًا لا تعني الجوائز كل شيء؟

الأمر يتجاوز الحظ أو التقدير، فالمبدع، مع مرور الوقت، يصل إلى قناعة أن القيمة الحقيقية تكمن في النضج الإبداعي، حيث يصبح الرضا الذاتي عن العمل أهم من أي تصفيق. يدرك أن الجوائز، مهما كانت، تتحرك وفق أذواق لجان التحكيم وتوازناتها السياسية والثقافية، وأن كثيرًا من الأعمال العظيمة وُلدت خارج هذه المقاييس.

كما أن السعي المحموم وراء الجوائز قد يدفع البعض إلى إرضاء اللجان بدل إرضاء النص أو اللوحة، وهو ما قد يقتل الأصالة. بينما النجاح الحقيقي يُقاس بـ الأثر الطويل المدى: أن يلتقي عملك بإنسان بعد سنوات فيحدث فيه رعشة، أو يفتح أمامه نافذة أمل، أو يغير طريقة نظره للعالم.

الجوائز، في نهاية الأمر، لحظة عابرة في تقويم طويل. أما الإبداع، فيعيش في أماكن أخرى: في مكتبة قديمة يفتح فيها قارئ مجهول كتابك بعد عقدين، أو في ذاكرة طفل وجد في نصك ظلًا يواسيه. النجاح ليس درعًا معدنيًا ولا شهادة مؤطرة، بل أن يظل صوتك قادرًا على عبور المسافات، حتى لو لم يُنادِك أحد إلى المنصة.

لكن، إن لم يكن غياب الجوائز دليلًا على الفشل، فمتى إذًا يحق للمبدع أن يعلن – ولو في سرّه – أنه قد أخفق؟

الفشل الحقيقي لا يأتي من خارج المبدع، بل من داخله. يحدث عندما يتخلى عن صدقه الفني ليرضي ذوقًا عابرًا، أو عندما يُعيد إنتاج نفسه بلا روح. حين يصبح الإبداع عنده مجرد حرفة بلا نبض، أو مجرد وسيلة للوجاهة، يكون قد فقد المعركة حتى لو أحاط نفسه بعشرات الدروع.

الفشل أيضًا أن يكتب أو يرسم أو يعزف دون أن يضيف شيئًا لروحه أو لروح من يتلقاه، أن يكرر كلمات الآخرين، أو يعيش على ظلال أعماله الماضية، غير قادر على أن يغامر بجديد.

أما الخطر الأكبر، فهو الاستسلام للصمت الداخلي، أن يتوقف عن المحاولة، عن البحث، عن التجريب، بدعوى أن لا أحد يهتم. هنا، يخسر المبدع معركته مع نفسه قبل أن يخسرها مع العالم.

في المقابل، من يواصل العمل بشغف، حتى وسط الصمت أو التجاهل، لا يمكن اعتباره فاشلًا؛ لأن الفشل ليس غياب الاعتراف، بل غياب المحاولة.

النجاح في الإبداع هو أن تبقى حيًا من الداخل، أن تكتب أو ترسم أو تعزف كما لو أنك تخاطب قلبك أولًا، حتى لو لم يسمعك أحد.