دراسة جديدة تكشف حقيقة تورط الجلوتين في متلازمة القولون العصبي
الجلوتين .. في خطوة من شأنها أن تُعيد النظر في المفاهيم السائدة حول العلاقة بين النظام الغذائي ومتلازمة القولون العصبي (IBS)، كشفت دراسة حديثة أُجريت في جامعة ماكماستر الكندية أن الجلوتين قد لا يكون السبب الفعلي وراء الأعراض المزعجة التي يعاني منها كثير من المرضى، بل قد يكون الاعتقاد الراسخ نفسه هو المحفّز الأكبر.
شملت الدراسة 28 شخصًا مصابين بمتلازمة القولون العصبي، جميعهم مقتنعون بأنهم يعانون من حساسية تجاه الجلوتين، والتزموا بأنظمة غذائية صارمة خالية من هذا البروتين.
وبحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، تمثلت التجربة في تناول المبحوثين أشرطة من الحبوب تحتوي على أنواع مختلفة من الدقيق، بعضها غني بالجلوتين وأخرى خالية منه، دون علمهم بالمكون الحقيقي، تبيّن أن الأعراض لم تختلف بشكل ملموس بين المجموعات المختلفة.
الاعتقاد أقوى من التأثير الفعلي؟
النتائج كانت لافتة: حتى بعد تناول أشرطة حبوب خالية تمامًا من الجلوتين، أفاد نحو 30% من المشاركين بحدوث تفاقم ملحوظ في الأعراض. وهو ما دفع الباحثين إلى طرح فرضية "تأثير النوسيبو" (Nocebo Effect) – الحالة التي يشعر فيها الشخص بأعراض سلبية لمجرد توقعه حدوثها.
البروفيسور بريميسل بيرسيك، المشرف على الدراسة، أوضح أن بعض المرضى يعانون بالفعل من حساسية حقيقية تجاه الجلوتين – مثل المصابين بمرض الاضطرابات الهضمية – لكن الغالبية قد يكونون ضحايا لمعتقدات غذائية خاطئة، غالبًا ما تُغذّيها وسائل التواصل الاجتماعي.
تأثير التغذية النفسية ووسائل التواصل
ويضيف البروفيسور بيرسيك: "وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في ترسيخ مفاهيم غير دقيقة حول الجلوتين، وهو ما قد يدفع العديد من الأشخاص إلى تقييد أنظمتهم الغذائية بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي في النهاية إلى سوء التغذية وانخفاض جودة الحياة."
ويحذر خبراء التغذية من أن الأنظمة الخالية من الجلوتين قد تكون أقل فائدة مما يعتقد البعض، إذ تحتوي غالبًا على كميات أكبر من الدهون والسكريات، وأقل من الألياف والبروتينات المهمة لصحة الأمعاء.
الدور المحوري للعوامل النفسية في العلاج
أوصى الباحثون بضرورة إدماج الدعم النفسي ضمن برامج العلاج لمرضى القولون العصبي، مؤكدين أن تحسين الإدارة السريرية يعتمد على التعاون مع المريض لفهم دوافعه النفسية وليس فقط تصحيح معتقداته الغذائية. وأشاروا إلى أهمية العمل على إزالة "وصمة الجلوتين" وإعادة إدخاله تدريجيًا إلى النظام الغذائي بشكل آمن ومدروس.
وتختم البروفيسورة سيجريد إلسنبروتش، وهي خبيرة في العلوم العصبية السلوكية، قائلة: "تغيير السلوكيات الصحية لا يعتمد فقط على الحقائق، بل على إدراكنا لها. الأمر أعقد مما يبدو، ويحتاج إلى توازن بين العلم والوعي الشخصي".
تطرح هذه الدراسة تساؤلات جوهرية حول مدى دقة تشخيص حساسية الجلوتين في حالات القولون العصبي، وتدعو إلى إعادة التفكير في العلاقة بين العقل والجسد، والموازنة بين ما نؤمن به وبين ما يثبته العلم.