قبل أيام قليلة احتفل الزعيم الماليزى السابق مهاتير محمد ببلوغه سن المئة عام ليصبح أحد أكبر المُعمرين السياسيين فى العالم.
وربما لا يعرف أبناء الجيل الجديد هذا الزعيم السياسى المتطور الذى حقق نهضة علمية واقتصادية عظيمة لدولة نامية هى ماليزيا خلال فترة رئاسته الممتدة من 1981 إلى 2003، وهو ما ساهم فى انتشالها من براثن الفقر، وأدى إلى رفع مستوى معيشة المواطنين، وتحقيق ريادة تنموية غير مسبوقة.
ففى عهد مهاتير محمد ارتفع متوسط دخل المواطن من ألف دولار سنوياً إلى 16 ألف دولار، وتراجع معدل الفقر إلى نحو 4 فى المئة، بينما انخفضت نسبة البطالة إلى 3 فى المئة، واستطاع الرجل خلال عشرين عاماً أن يجعل بلاده دولة صناعية متقدمة تزيد صادراتها السنوية عن مئتى مليار دولار.
وقد اعتمد مهاتير محمدـ الذى بدأ حياته طبيباً قبل أن ينخرط فى العمل السياسى، على سياسات انفتاحية وخطط للتنمية الصناعية الشاملة، مع الاهتمام والتركيز الكبير على قطاع التعليم باعتباره أكثر القطاعات المُحدثة للتغيير فى المجتمع.
فى كتاب سيرته الذى حمل عنوان «طبيب فى رئاسة الوزراء» إشارات واضحة لكيفية حشد إيرادات البلاد وتوجيهها للتعليم أولاً، إذ بدأ الأمر ببرامج لمحو الأمية وتعليم كافة أفراد الشعب لغات عديدة، ثُم عمل برامج لإرسال البعثات التعليمية إلى كبرى جامعات العالم فى مختلف المجالات.
وبعد ذلك بدأ مهاتير سياسة واضحة ومفصلة للتنمية الصناعية تقوم على جذب رءوس الأموال العالمية لقطاع الصناعة، مع تركيز استثمارات الدولة فى قطاع الصناعات الثقيلة وحدها. وفى سنوات قليلة حقق حلم بلاده فى صناعة سيارة ماليزية متميزة، ثُم تطور الأمر فتم إنشاء مصانع للطائرات ومحركاتها.
واتجهت ماليزيا فى عهده إلى الخصخصة، وجعل مهاتير محمد من الحكومة منظماً ومانحاً للتراخيص، وتدريجياً تحسنت المهارات والقدرات الإدارية للشركات الماليزية، وتمكنت من تولى مشاريع كبيرة خارج ماليزيا نفسها.
وتواكب مع ذلك إصلاح مؤسسى شمل كافة القطاعات بهدف تيسير إجراءات الاستثمار وحركة التجارة، مع خفض الرسوم الضريبية، لتتنامى القدرات التنافسية للشركات وتتوسع المشروعات لتولد فرص عمل للجميع، وينمو الناتج الإجمالى للبلاد.
وإلى جانب ما تحقق اقتصادياً وعلمياً، اهتم زعيم ماليزيا بترسيخ الثقافة والوعى والأخلاق والقيم النبيلة فى المجتمع من خلال حملات إعلامية شاملة، وحرص أن يكون قدوة فى ذلك.
ورغم معارضة البعض للرجل وانتقاده سياسياً خلال رئاسته للوزراء، وبعد خروجه من السلطة، إلا أن هناك إجماعاً بين أنصاره وخصومه على أهمية ما أحدثه من تغييرات إيجابية فى تاريخ ماليزيا، وهو فى ظنى ما جعل الناس تعيد انتخابه رئيساً للسلطة مرة أخرى لعامين فى 2018 بعد أن تجاوز التسعين عاماً.
ولا شك أن ما طرحه الرجل، وما قاله، وطبقه فى بلاده يستحق الالتفات والاهتمام والمتابعة، وهو يذكرنا جميعاً بمركزية قضية التعليم فى أى تنمية منشودة.
وسلامٌ على الأمة المصرية