لعل وعسى
تناولنا فى المقال السابق كيف أن ثورة ٣٠ يونيو، شكلت ملحمة وطنية، وكانت نقطة البدء فى إنقاذ الدولة المصرية عبر مخطط تفتيت تقوده جماعة الإخوان ومدعوما من قبل الصهيونية العالمية لتنفيذ مخطط سايكس بيكو ٢، وأن مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013 اقترنت بمجموعة من التحديات الصعبة، وكان التحدى الأصعب، هو كيفية إعادة الدولة المصرية إلى مكانتها الطبيعي؟ وبالفعل تم خلال الإنثى عشر عامًا الماضية تدشين عشرات المشروعات القومية العملاقة، رغم وجود أزمات متعددة ومتلاحقة، أفرزت أربع مشاكل مستعصية، أولهما أزمة التضخم، ثم أزمة الطاقة ثم أزمة إضطرابات سلاسل التوريد، وأزمة المناخ.
وبالتالى كان لزامًا الاستمرار فى برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، والذى ما هو إلا انعكاس حقيقى لإصرار صانعو السياسات على: أولا تحسين أداء الاقتصاد الوطنى ودفعه إلى مستوى مرضى من النمو بشرط أن يتعدى ثلاثة أمثال معدل النمو السكانى، مع ضمان استقرار للأداء الاقتصادى عبر تقليل كلا من معدل التضخم وعجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات. ثانيًا معالجة الاختلالات الهيكلية فى كل القطاعات، سواء الزراعية والصناعية والبنية التحتية وأيضا التشريعات والقوانين وبما يضمن زيادة الإنتاجية والتنافسية.
ثالثًا تحسين مستوى المعيشة ومعالجة قضايا عدم المساواة، وهو ما تمخض فى تناول العديد من الملفات والقضايا أثناء انعقاد قمة تحالف بريكس يومى ٦، ٧ يوليو الحالى فى البرازيل، حيث تم تناول عملية إصلاح دولية تشمل الدعوة إلى صيغة جديدة مرجحة حسب الناتج الاقتصادى والقوة الشرائية، مع الأخذ فى الاعتبار القيمة النسبية للعملات، والتى ينبغى أن تمثل بشكل أفضل الدول ذات الدخل المنخفض. بالإضافة إلى قيام تحالف بريكس بالتحدث باسم الاقتصادات الناشئة فى الجنوب العالمى والحث على إجراء إصلاحات فى المؤسسات التى تهيمن عليها القوى الغربية التقليدية منذ فترة طويلة. مع المطالبة بتعزيز التمثيل الإقليمى فى إدارة صندوق النقد الدولى والتغلب على اتفاق السادة الذى عفا عليه الزمن بعد الحرب العالمية الثانية والذى لا يتناسب مع النظام العالمى الحالى، هذا النظام الذى استحوذ على ثروات الشعوب عبر زيادة تفاقم الصراعات والتهديدات الأمنية التى تفرض زيادة الإنفاق العسكرى، وبالتالى رواج سوق السلاح، والذى قدرت قيمته فى عام ٢٠٢٤ بنحو ٢,٤٤٤ تريليون دولار وهو أكبر مستوى سجله معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (سيبرى).
ما نؤكد عليه أن رسم مسار مصر الاقتصادى يتطلب حسم من صانعى السياسات بالاختيار بين تحسين أداء الاقتصاد الوطنى ودفعه إلى النمو الاقتصادى المستدام والمستقر، وبين الانغماس فى نظام اقتصادى عالمى متقادم ومعمق لأوجه عدم المساواة. كذلك الاختيار بين معالجة الاختلالات الهيكلية، أو الاستمرار فى الإنتاجية والتنافسية الحالية والبعيدة كل البعد عن قدراتنا، وأخيرًا الاختيار بين تحسين مستوى المعيشة أو تبنى هياكل العدم ومنها، الشمول، المساواة، الإنصاف، والفعالية. ولتكن البداية هو تصحيح مسار أهداف التنمية المستدامة بعد مرور عشر سنوات من اعتمادها، فى ظل نهج دولى غير واضح،حتى ترقى لمتطلبات الشعب المصرى.
رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام