رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

«يا خبر»

الأمر اللافت فى الحرب الجديدة التى اندلعت فى الشرق الأوسط ليس الهجوم الإسرائيلى على إيران، ولا عجز إسرائيل عن الدفاع عن نفسها أمام الضربات الإيرانية، ولكن فى نفاق الغرب وإعلامه فى تعاطيه مع هذه الحرب! 

فى بيان صدر فى وقت متأخر الاثنين، أكدت مجموعة السبع الكبرى على «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»! ووصفت إيران بأنها مصدر عدم استقرار فى الشرق الأوسط، و«لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا أبدا». وغادر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب القمة قبل يوم من انتهائها عائدا إلى واشنطن، فيما تواصل إسرائيل وإيران تبادل القصف الصاروخى، وسط تصعيد غير مسبوق فى تبادل الضربات بين الطرفين، أدى إلى سقوط عشرات القتلى فى الجانبين، واستهدف بنية تحتية مدنية وعسكرية وتم اغتيال قادة وعلماء إيرانيين بارزين. 

حظى الهجوم على إيران بدعم علنى من الرئيس الأمريكى، الذى أشاد بالعملية ووفر لإسرائيل صواريخ متطورة قبيل الهجوم, أما بريطانيا، فتبنّت التهدئة ظاهريا، لكنها فى الواقع حرّكت قوات نحو الشرق الأوسط وفتحت الباب أمام دعم عسكرى محتمل لإسرائيل, وتم بالفعل اعتراض بعض الصواريخ الإيرانية بفضل الدعم الحاسم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لكن صواريخ أخرى أصابت أهدافًا مدنية وبُنى تحتية حساسة.

إسرائيل التى بدأت العدوان تصف هجومها بأنه «وقائى»، والغرب مجتمعا يقبل هذه الرواية ويروج لها سواء على المستوى الدبلوماسى أو حتى فى الإعلام رغم أن القانون الدولى لا يقر بهذا النوع من الاستباق ذريعةً للعدوان.

الحقيقة التى باتت واضحة الآن أن هجوم إسرائيل على إيران لم يكن بدافع الخوف من امتلاك طهران للسلاح النووى، بل كان بدافع الرغبة فى إضعاف عدوها الإقليمى الأقوى لتحقيق طموحاتها فى فلسطين المحتلة بسهولة ليحقق نتنياهو مقولته المتكررة والمعتادة «نحن نغير الشرق الأوسط».

العالم يشهد تحولا تاريخيا، إذ تفلت إسرائيل دائما من العقوبة من قبل المجتمع الدولى وهذا سبب رئيسى فى استمرار عملياتها العدوانية الواسعة، لدرجة أنها هاجمت ست دول خلال فترة زمنية قصيرة, ويُعد هذا التحول من أبرز الأحداث على المستوى الجيوسياسى فى الفترة الأخيرة.

الغرب الذى أعلن بكل تبجح أنه يقف مع إسرائيل لم ينفصل إعلامه عن هذا الهدف, وبدأ فى الدعم المعنوى لإسرائيل على صعيد الحرب النفسية حتى ولو اضطر للكذب بهدف نشر رسائل الطمأنة وتلميع القدرات الدفاعية الإسرائيلية, إذ لا يشير الإعلام الغربى مثلا إلى أن الصواريخ الإيرانية الدقيقة تجاوزت بسهولة نسبية الدفاعات الإسرائيلية وسببت أضرارا مادية جسيمة، وخلفت قتلى وجرحى، وأدت استراتيجيا إلى انهيار مصداقية التحصن الإسرائيلية, وتجاهلت وسائل الإعلام الغربية مثلا معطى جوهريا، هو أن القبة الحديدية فعالة ضد التهديدات البسيطة نسبيا، مثل صواريخ القسام أو غراد، التى تفتقر إلى أنظمة التوجيه وتسير فى مسارات يمكن التنبؤ بها؛ أما فى مواجهة الصواريخ الباليستية، أو صواريخ كروز القابلة للمناورة، أو الصواريخ الفرط صوتية، فالقبة الحديدية لم تُصمم للتعامل معها, والقبة الحديدية نظام طوّرته شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة بالتعاون مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وموّلته الولايات المتحدة، وتتمثل مهمته فى اعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية ضمن نطاق يبلغ نحو 70 كيلومترا، ومنذ دخوله الخدمة عام 2011، تم تقديمه كإنجاز تكنولوجى عسكرى إسرائيلى، قادر على تحييد الصواريخ التى تُطلق من غزة ومع ذلك فشل فى مواجهة صواريخ إيران, فقامت إسرائيل تدريجيا ببناء نظام دفاعى متعدّد الطبقات لمواجهة التهديدات الأكثر تعقيدا، مثل «مقلاع داود» المصمم لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى (بين 70 و300  كيلومتر) والصواريخ الجوالة المتقدمة، لكن هذا النظام بدوره أظهر حدودا فى قدرته على التمييز بين التهديدات المتزامنة، وعانت المنظومة الدفاعية الإسرائيلية بشكل واضح فى التصدى للهجوم الإيرانى الأخير الذى شاركت فيه طائرات مسيّرة انتحارية من طراز «شاهد»، وصواريخ باليستية، وصواريخ جوّالة وحدث بالفعل إخفاق جزئى لمنظومة القبة الحديدية أثبت أن إسرائيل لم تتمكن من التصدى بالشكل المطلوب لهجوم صاروخى منسّق رغم كل الدعم العسكرى والتكنولوجى الأمريكى.

هذا العجز كان ينبغى أن يتعامل معه الإعلام الغربى بشفافية ويظهره، لكن وسائل الإعلام الغربية وضعت فلاتر أيديولوجية لتبقى المواطن الغربى أسير سردية تتجاهل الحقائق وتُخفى الفشل, فما زال الإعلام الغربى يروّج لصورة الحصن التكنولوجى المنيع، ويتجاهل الثغرات البنيوية فى المنظومة الدفاعية الإسرائيلية, وهى نفس السردية التى غذّت وهم التفوق الأوكرانى فى مواجهة روسيا، وتتكرر مجددا، وتسعى إلى التأكيد أن الغرب لا يُخطئ أبدا.

أخيرا فى رأيى أن السبب الحقيقى للهجوم على إيران هو أن تستغل إسرائيل انشغال العالم بالحرب مع إيران لتنفذ عمليات عسكرية واسعة النطاق فى غزة والضفة الغربية وتوسع نفوذها وتنفذ سياسات تطهير عرقى بحق الفلسطينيين بعيدا عن أعين الإعلام الدولى الذى تأمن إسرائيل جانبه إلى حد بعيد وتعرف أنها ينافقها ويكذب من أجلها ويجمل صورتها.