رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

«بوتين» و«شى» فى مأزق الشرق الأوسط

بوابة الوفد الإلكترونية

يتابع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الصينى شى جين بينج تطورات الصراع المتصاعد فى الشرق الأوسط بقلق بالغ، فى ظل ما يبدو أنه تدهور مستمر فى وضع النظام الإيرانى، الحليف الأساسى لهما فى مواجهة النفوذ الأمريكى فى المنطقة. فالهجمات الإسرائيلية الأخيرة التى استهدفت كبار المسئولين فى طهران، وضربت أنظمة دفاعية ومواقع تخصيب نووى، أضعفت إيران إلى حد بات يهدد توازن التحالفات الكبرى. وقد عبرت كل من موسكو وبكين علنًا عن دعمهما لإيران، ووجهتا انتقادات لاذعة لإسرائيل بسبب هذه الهجمات، لكن مع تراجع قدرة إيران على المقاومة، تخسر روسيا والصين شريكًا محوريًا يشاطرهما الرؤية المناهضة للهيمنة الأمريكية. وبالنسبة لروسيا، فإن الضربة موجعة على نحو خاص، إذ فقدت بالفعل بوابة مهمة فى الشرق الأوسط عقب سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا فى ديسمبر الماضى، وهو النظام الذى كان يوفر لها حضورًا عسكريًا متينًا فى المنطقة، ومنذ ذلك الحين، تراجعت قدرة موسكو على التأثير المباشر فى مسرح الشرق الأوسط.
ويرى توفيا جيرينج، الخبير فى شئون الصين والشرق الأوسط فى «معهد دراسات الأمن القومى» الإسرائيلى، أن الدول الثلاث روسيا، الصين، إيران تتقاسم مشاعر ازدراء عميقة تجاه القيم الغربية وأنظمتها. ويضيف: «إنهم لا يشاركون نفس المواقف الأيديولوجية فقط، بل يتعلمون من بعضهم البعض، ويتبادلون التقنيات حول كيفية قمع شعوبهم». لكن جيرينج يوضح أن هذه العلاقة الثلاثية لم تعد رابحة بالكامل، بل إن الشراكة مع إيران «تتحول بشكل متزايد إلى عبء».
ورغم ذلك، لا تزال هناك مجالات لا تمثل مصدر قلق كبير لروسيا، خصوصًا ما يتعلق بالطائرات الإيرانية المسيرة التى لعبت دورًا محوريًا فى حربها فى أوكرانيا.
وتوضح نيكول جرايفسكى، الخبيرة فى السياسة النووية بمؤسسة كارنيغى للسلام الدولى، والمتخصصة فى الشأنين الروسى والإيرانى، إن روسيا لم تعد تعتمد كليًا على الدعم الإيرانى فى هذا الجانب، إذ أنشأت مصانع محلية قادرة على إنتاج ما يصل إلى 2700 طائرة مسيرة شهريًا.
إلا أن التهديد الأبرز بالنسبة لكل من موسكو وبكين يتمثل فى احتمال استخدام إيران لهذه المواجهة كذريعة للانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والمضى قدمًا نحو إنتاج سلاح نووى. وكانت طهران قد لمحت إلى هذا السيناريو سابقًا، وهو تطور لا ترغب فيه لا روسيا ولا الصين، رغم امتلاكهما ترسانات نووية ضخمة. فامتلاك إيران لهذا السلاح سيجعلها أقل اعتمادًا على حلفائها، وأكثر ميلًا إلى رسم مساراتها الخاصة فى السياسة الدولية، وهو ما يحدّ من قدرة موسكو وبكين على التأثير فى قراراتها.
أما الصين، التى تعد أكبر مشترى للنفط الإيرانى، فإنها تتابع التصعيد الحالى بقلق بالغ. إذ تستورد بكين ما يصل إلى مليونى برميل يوميًا من النفط الإيرانى، وهو ما يشكل شريحة كبيرة من احتياجاتها الطاقية. وتخشى القيادة الصينية من أن تؤدى الضربات الإسرائيلية إلى تعطيل المنشآت النفطية والغازية الإيرانية، مما يهدد أمن الطاقة فى الصين.
والمخاوف الصينية لا تقتصر على ذلك، حيث قد يؤدى تصاعد النزاع إلى هجمات إيرانية على الوجود العسكرى الأمريكى فى دول الخليج مثل الإمارات والسعودية، وهما دولتان تعتبران أيضًا موردين رئيسيين للطاقة بالنسبة للصين. وإذا ما حدث ذلك، فقد تواجه بكين اضطرابات أوسع فى إمداداتها، فى وقت حساس يتسم بضعف اقتصادى داخلى وحرب تجارية مستمرة مع الولايات المتحدة.
وأشار «جيرينج» إلى أن هذا «يشكل خطرًا مباشرًا على أمن الطاقة فى الصين، ويزيد من حدة المشكلات الاقتصادية التى تعانى منها أصلًا». ويضيف أن العقوبات الطويلة المفروضة على إيران تجعل منها شريكًا تجاريًا ضعيفًا فى نظر بكين، وبالتالى فإن مشاريع الاستثمار فى البنية التحتية الإيرانية لا تمثل مكسبًا كبيرًا فى هذا التوقيت.
وأشار «جرايفسكى» إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تسعى الصين وروسيا إلى تعويض ما فاتهما لاحقًا من خلال تصدير مزيد من الأسلحة إلى إيران، لكن الواقع الاقتصادى قد يفرض حدودًا صارمة. فإيران لا تملك رأس المال اللازم لهذه الصفقات، ما يجعل أى تعاون عسكرى مستقبلى مرهونًا بنظام المقايضة، لا البيع والشراء التقليدى.
وأوضح أن هذا الوضع معقد، لأن بكين وموسكو لا تبحثان عن شريك ضعيف، بل تفضلان أن تتعاملا مع أنظمة قوية ومستقرة تتبنى نفس النظرة للعالم، وتشاركهما الشكوك تجاه واشنطن ومؤسساتها.
كما أجرى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين سلسلة مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، والرئيس الإيرانى محمود بزشكيان، والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وعرض التوسط بينهم لاحتواء الأزمة.
أما الصين، فقد أعلنت أن الرئيس شى جين بينغ قال صراحة إن «إسرائيل يجب أن تتوقف»، فى تصريح نادر من أعلى مستوى فى بكين. وتكثفت التحركات الدبلوماسية الصينية عبر اتصالات هاتفية أجراها وزير الخارجية وانغ يى مع نظيريه فى إيران وإسرائيل، فى محاولة لمنع توسع دائرة التصعيد.
وتقول جرايفسكى إن موسكو باتت تخشى من تداعيات انهيار النظام الإيرانى، ومن زعزعة استقرار مصالحها فى المنطقة، الأمر الذى يفسر ارتفاع منسوب الحراك الدبلوماسى فى الأيام الأخيرة. ويختم جيرينج بالإشارة إلى أن الصين تحاول الاستعداد لكل السيناريوهات، بما فيها احتمال تغيير النظام فى طهران، كما فعلت سابقًا فى حالات مثل أفغانستان وسوريا، حيث تسعى بكين دومًا إلى الحفاظ على علاقة مع من يتبقى بعد أى تحول سياسى كبير.