خبراء: الإشعاع الإيراني محدود الخطورة.. ومصر تراقب الموقف لحظة بلحظة

مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا بعد استهداف منشآت نووية إيرانية مثل مفاعل "نطنز"، تزايدت التساؤلات داخل مصر بشأن مدى احتمالية تأثر البلاد بأي إشعاع نووي قد يتسرب نتيجة هذه الهجمات.
يعود هذا القلق إلى الطبيعة الخاصة للمنشآت النووية، حيث يمكن أن يؤدي أي تسرب إشعاعي، ولو محدودًا، إلى آثار بيئية وصحية تمتد إلى آلاف الكيلومترات.
ويرى الخبراء أن تقييم الموقف بشكل علمي وموضوعي يظهر أن مصر، وفقًا للموقع الجغرافي وبيانات المراقبة الرسمية، بمنأى عن الخطر المباشر. فالمسافة التي تفصل بين إيران ومصر، وتقدَّر بأكثر من 2200 كيلومتر، بالإضافة إلى العوامل الجوية وطبيعة المواد النووية المستهدفة (مثل اليورانيوم منخفض التخصيب)، تجعل من غير المرجح حدوث أي تأثير إشعاعي ملموس داخل الأراضي المصرية.
وقد أكدت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في مصر، إلى جانب خبراء دوليين، أن الوضع يخضع لمتابعة دقيقة لحظة بلحظة، من خلال شبكة رصد منتشرة في جميع محافظات الجمهورية. وتشير القياسات الحالية إلى أن الخلفية الإشعاعية في الأجواء المصرية مستقرة، ولا توجد مؤشرات على أي تغير يستدعي القلق.
وفي هذا السياق، رصدت الهيئة مستوى الخلفية الإشعاعية في أجواء البلاد، في أعقاب الضربات التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران. وأكدت أنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات على حدوث تلوث إشعاعي يمكن أن يؤثر على الأراضي المصرية.
وقالت إنها تراقب الوضع عن كثب، بالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجهات وطنية أخرى. مشيرة إلى أن منظومة الرصد الإشعاعي والإنذار المبكر التابعة لها تعمل على مدار الساعة وتغطي كافة أنحاء الجمهورية بأحدث أجهزة الكشف المتطورة.
وأصبحت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية خط الدفاع الأول للتعامل مع أي تطور غير محسوب في المشهد الإشعاعي الإقليمي، مؤكدة أن الوضع حتى الآن لا يدعو للقلق. البيان الرسمي للهيئة جاء واضحًا بأنه: "لا يوجد أي تغير في الخلفية الإشعاعية داخل مصر، ويتم رصد الوضع في إيران لحظة بلحظة".
ومن جانبه، أكد الدكتور طارق عبد العزيز، الخبير في مجال الطاقة النووية، أن مصر لا تواجه خطرًا إشعاعيًا مباشرًا في حال حدوث أي انفجار نووي أو تسرّب من المفاعلات النووية الإيرانية، وذلك بسبب البعد الجغرافي، حيث تفصل بين مصر وإيران مسافة تزيد عن 2000 كيلومتر، وهو ما يحد كثيرًا من فرص انتقال الإشعاعات إلى الأراضي المصرية، خاصة إذا لم يكن اتجاه الرياح في صالح تحرك هذه المواد.
شدد عبد العزيز في تصريحات خاصة لـ «الوفد» على ضرورة عدم الاستهانة بالتداعيات غير المباشرة التي قد تطال مصر من منطلق اقتصادي واستراتيجي، أبرزها احتمالية غلق مضيق هرمز، الذي سيؤثر بدوره على قناة السويس كممر ملاحي حيوي، بالإضافة إلى احتمالية حدوث موجات نزوح من بعض الدول المجاورة لإيران كالعراق وسوريا ولبنان قد تتجه إلى مصر، وهو ما قد يشكل عبئًا إضافيًا في ظل الوضع الاقتصادي القائم.
وأشار الخبير النووي إلى أن الخطر الحقيقي يتمثل في مفاعل بوشهر النووي الواقع جنوب إيران، والذي يتمتع بطاقة كبيرة تصل إلى 1000 ميغاوات، ما يجعله في حال استهدافه مصدرًا لتلوث إشعاعي شديد الخطورة، خاصة على دول الخليج العربي التي تقع في اتجاه الرياح الطبيعي، مثل السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين وسلطنة عُمان، وهي الدول الأكثر عرضة لتداعيات مباشرة من الانبعاثات الإشعاعية.
وأوضح أن المواد المشعة التي قد تنبعث من المفاعلات تشمل أشعة غاما واليود المشع والسيزيوم والسترونشيوم، إلى جانب اليورانيوم، وهي مواد ذات أعمار نصف طويلة قد تبقى لعشرات أو حتى مئات السنين، وتؤثر على التربة والمياه الجوفية والحياة البحرية. مؤكداً أن مصر تمتلك شبكة رصد إشعاعي قوية تعمل منذ أكثر من 40 عامًا، وتغطي الأراضي والمياه والحدود بشكل مستمر، ويشرف عليها علماء على أعلى مستوى من الكفاءة والجاهزية، مما يضمن قدرة الدولة على اكتشاف أي تغيرات إشعاعية في الوقت المناسب.
وشرح د. عبد العزيز أن هناك جدولًا زمنيًا واضحًا يجب اتباعه في حال وقوع أي حادث نووي، حيث تبدأ الدولة بتفعيل خطة الطوارئ فورًا وإبلاغ السكان من خلال وسائل الإعلام، ثم تبدأ عمليات الإخلاء التدريجي من المناطق الأقرب لاتجاه الرياح لمسافة تصل إلى 50 كيلومتر خلال الساعات الأربع الأولى، مع إعطاء الأولوية لكبار السن والأطفال والمرضى، ثم توسع نطاق الإخلاء خلال الساعات التالية ليصل إلى 100 كيلومتر، مع توفير وسائل نقل وإسعافات وخدمات إيواء في ملاجئ مؤقتة آمنة بعيدًا عن الخطر، وبعد مرور 24 ساعة تبدأ عمليات الرصد الدقيق والتطهير البيئي.
وفيما يخص الإجراءات الوقائية للمواطنين، أوصى الدكتور طارق عبد العزيز بإغلاق الأبواب والنوافذ بإحكام باستخدام لاصق بلاستيكي، وارتداء الكمامات، وعدم تناول أطعمة أو مياه غير معبأة، وتوفير راديو يعمل بالبطارية لمتابعة التعليمات الرسمية، إلى جانب تجهيز "شنطة طوارئ" تحتوي على المستندات والأدوية والنقود تحسبًا لأي إخلاء مفاجئ.
وختم د. طارق عبد العزيز حديثه برسالة طمأنة للمواطنين، قائلاً إن مصر لا تواجه خطرًا مباشرًا من التلوث الإشعاعي، لكن الوعي الشعبي والاستعداد المسبق من الدولة والمواطنين هو السبيل الوحيد للحد من آثار أي أزمة نووية إقليمية، مشددًا على أن الإشعاع لا يُرى ولا يُشم ولا يُسمع، ولكنه خطر حقيقي لا يُواجه إلا بالعلم والتنظيم والانضباط في الاستجابة لتعليمات الدولة.
وبدوره، أكد الدكتور أمجد الوكيل، الرئيس السابق لهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، أن مصر بمنأى جغرافي عن أي تأثير محتمل. وأوضح أن المسافة التي تفصل بين مصر وإيران والتي تتجاوز 2200 كيلومتر، كفيلة بجعل فرص تأثر البلاد بأي تسرب إشعاعي شبه معدومة.
وأضاف أن انتشار الإشعاع لا يرتبط فقط بحدوث تسرب، بل يتأثر بعوامل طبيعية دقيقة، أبرزها اتجاه الرياح وسرعتها، كمية المواد المشعة المنبعثة، ونوعية الحادث. وفي ظل غياب مؤشرات على وجود تسرب كبير، واستقرار الظروف الجوية، فإن أي خطر على الأراضي المصرية يبدو مستبعدًا علميًا.
وفي الختام، يتضح أن مصر تتعامل مع الموقف الإقليمي المتوتر بمهنية وحذر، مع تفعيل كامل لأنظمة المراقبة والتحليل، مع الالتزام بالشفافية والتواصل المستمر مع المواطنين. ورغم استمرار التوترات في محيط المنشآت النووية الإيرانية، يبقى الوضع الإشعاعي داخل مصر مستقرًا وآمنًا حتى اللحظة.