رؤية:
تبقى قضية التغيرات المناخية تحديًا صعبًا يواجهه كثير من الدول النامية نتيجة الانبعاثات الحرارية خلال العقود الأخيرة الماضية.
وإذا كانت هذه القضية على وجه التحديد، قد خفتت إعلاميا على المستوى الدولى نتيجة الانشغال العالمى بالحروب والصراعات الدامية فى أوكرانيا، وجرائم الإبادة فى فلسطين، فضلا عن الحرب التجارية بين الدول الكبرى والتى اندلعت عقب تولى الرئيس دونالد ترامب السلطة فى يناير الماضى، إلا أنها ما زالت تعد واحدة من أخطر الظواهر الطبيعية التى تُشكل عائقا كبيرا فى مسيرة الأمم الساعية إلى التقدم والتنمية المستدامة. ذلك لأن كلفة التعامل مع هذه الظاهرة وآثارها شديدة الارتفاع، كما أن توابع تجاهلها يؤدى إلى مشكلات عديدة فى المستقبل.
وحسبنا أن نتذكر مشهد الاعصار والسيول وتساقط الثلوج غير المسبوق الذى رأيناه فى الإسكندرية نهاية شهر مايو الماضى، والذى يؤكد أن شيئا ما تغير، وأن علينا الاستعداد لظواهر شبيهة.
أكتب ذلك، وأنا أقرأ نتائج دراسة جديدة أجرتها إحدى جامعات سنغافورة وهى جامعة نانيانغ على 48 مدينة ساحلية فى مختلف انحاء العالم رصدت فيها حدوث هبوط فى الأرض نتيجة التغيرات المناخية خلال الفترة من 2014 إلى 2020.
اللافت فى هذه الدراسة أن بين المدن التى خضعت للبحث والرصد كانت مدينة الإسكندرية، حيث أدى استصلاح بعض الأراضى ومشروعات العمران إلى هبوط الأرض فى مواضع بعينها من المدينة ما يهدد نحو 270 ألفا يعيشون فى هذه الأماكن. وطبقا للدراسة، فإن هذه التغيرات المناخية تسهم أيضا فى تنشيط الزلازل والفيضانات والتغيرات بالتربة وتسمح بتسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، ومن ثم القضاء على مساحات زراعية مستصلحة.
وتتضمن أهم المُدن المتأثرة بتغيرات المناخ بخلاف الإسكندرية كلا من طوكيو، جاكرتا، شنغهاى، مومباى، لندن، برشلونة، ريوديو جانيرو، ليما، ولوس أنجلوس وغيرها.
وقد سعت بعض الدول لعمل استعدادات مبكرة لمكافحة التغيرات المناخية، خاصة فى المدن الساحلية، فأنشأت السدود ومصدات الأمواج، ووضعت قواعد تنظيمية صارمة فيما يخص البناء والعمران.
ولا شك أن الاعداد الجيد، والتجهز الفعال للكوارث أمر ضرورى ولازم فى ظل عالم يستهدف قراءة القادم والاستعداد الجيد لأى ظواهر أو مشكلات مُحتملة، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عما تم اتخاذه فى هذه الصدد، وإن كان قد تم تشكيل وحدات متابعة ورصد وإدارة لمثل هذه الظواهر أم لا؟
كما يدفعنا ذلك إلى الدعوة لاستئناف الدور الدبلوماسى المُهم فى ممارسة الضغط الدولى على الدول الكبرى لتحمل مسئولياتها فيما يخص قضية التغيرات المناخية، ذلك أن هذه التغيرات حدثت نتيجة استثمارات الدول الكبرى الضخمة فى مجالى الصناعة والخدمات، وهى مسئولة عن تحمل الجانب الأكبر من فاتورة المكافحة. وسبق أن طالبت منظمة الأمم المتحدة، الدول الكبرى بأن تلتزم بدفع مئة مليار دولار سنويا إلى البلدان النامية لتتكيف مع التحول للاقتصاد الأخضر، خاصة أن أحد مبادئ العدالة المعروفة ينص على أن «مَن أتلف أمرا فعليه إصلاحه».
إن مصر تواصل مسيرتها فى طريق التنمية المستدامة، ويجب عليها أن توظف كل طاقاتها لتحقيق أكبر تطور ممكن، وتقليل الآثار السلبية لكافة الظواهر الطبيعية، وعلى رأسها تغيرات المناخ، سعيًا إلى غد أفضل.
وسلام على الأمة المصرية