اتجـــــاه
** يظل موقف المملكة العربية السعودية، كما هو ثابت، بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة، على مقياس مبادرة السلام العربية، وما يطمئن المجتمع العربى، أن كل ما يصدر عن المسئولين فى «الرياض»، يتمحور حول الرفض السعودى، لأى ما يتجه نحو نية التطبيع مع إسرائيل، على العكس لما يروج له الأمريكيون والإسرائيليون أنفسهم، كما لو أنهم لم يفهموا، ما اشترط عليه ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، بصيغة: «دولة فلسطينية مقابل علاقات سياسية»، وقد صارت عقيدة للدبلوماسية السعودية، تتقيد بها أى بيانات تصدر عن وزارة الخارجية، وما دونها من مسئولين فى مستويات مختلفة، تعمل جميعها فى اتجاه الالتزام الكامل، بمخرجات المبادرة العربية.
** لقد تحدثت المستشارة فى الخارجية السعودية، منال رضوان، قبل أيام، أمام اجتماع تحضيرى فى «نيويورك»، يسبق مؤتمر «حل الدولتين»، الذى سيعقد برئاسة مشتركة، لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية، وقالتها المستشارة بعلانية، عن التزام المملكة الثابت، بمبادرة السلام العربية، الأمر الذى يخيب آمال الإسرائيليين فى «تل أبيب»، فيما تحدث به الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وهو يتجول فى الخليج، عن موجة تطبيع جديدة، تلحق بموجة «اتفاق إبراهام»، الذى هرولت إليه الإمارات والبحرين والمغرب، فى العام 2020، لكن الفرق هنا، أن شروطا متشددة بخصوص القضية الفلسطينية، قد تؤجل طرح التطبيع، إن لم تمنعه إلى الأبد.
** ولا شك في أنها ستكون أهم محاور، ذلك المؤتمر الدولى رفيع المستوى، الذى سوف يعقد فى مقر الأمم المتحدة بـ«نيويورك»، ما بين 17 و20، من الشهر المقبل «يونية»، يناقش أفكار التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين، برئاسة «سعودية- فرنسية» مشتركة، تستهدف حشد الاعتراف الدولى بدولة فلسطينية، وبالتالى يشكل نقطة تحول تاريخية، نحو سلام عادل ودائم فى المنطقة، يضع السلطة فى «تل أبيب» تحت ضغط دولى، لإجبارها على القبول بالقرارات الأممية، ذات الصلة بإقامة دولة فلسطين المستقلة، على حدود 4 يونية 1967، بالعاصمة «القدس» الشرقية، كما اشترطتها مبادرة السلام العربية، لإنهاء الصراع مع إسرائيل، والتطبيع معها وفق رؤية كل دولة.
** ولو تصورنا هذا المؤتمر، فرصة وجودية- أو واحدة من الفرص النادرة- تأتى فى ظل تغيرات إقليمية ودولية متسارعة، وتزايد القلق العالمى من استمرار حالة الجمود السياسى، والتصعيد القتالى بين الجبهات الفلسطينية والمساندة لها، وبين جيش الاحتلال الإسرائيلى، وهو ما يعول على جدية الأطراف المشاركة، فى الضغط باتجاه قبول إسرائيل بحل الدولتين، وهو تحدٍّ صعب، فى مواجهة غضب القادة فى «تل أبيب»، من فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية، للدرجة التى حذر معها، وزير الخارجية، جدعون ساعر، الدول الغربية من توسع إسرائيلى فى الضفة الغربية، وانهيار فرص التوصل إلى تسويات، ما يعكس حالة القلق هناك.
** ما يمكن التأكيد عليه، أن إسرائيل تواجه انقلابات أوروبية، يقودها الرئيس الفرنسى، إيمانوبل ماكرون، وشبه قطيعة من الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، ورفضا عربيا واسعا، نتيجة المجازر فى غزة، ومن ثم، تأتى أهمية أن ينتج المؤتمر التزامات قوية، بإحياء مبادرة السلام العربية، مسارا لحل الدولتين، ودولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب بناء توافق دولى، يعيد ترتيب الأولويات بشأن القضية الفلسطينية، بالعودة إلى خيار المفاوضات، ضمن إطار زمنى محدد، فيما المرجو والمتوقع، مزيد من الدعم الاقتصادى والإنسانى لأهل غزة، ومراقبة دولية فعالة لوقف الاستيطان والانتهاكات بحق الفلسطينيين.. ودون ذلك، يبقى المؤتمر مجرد خطوة رمزية، لا تناسب هذا الظرف التاريخى.