إطلالة
الأسرة حجر الأساس "6"
نستكمل اليوم الحديث عن مواجهة فساد الأخلاق والقضاء عليه، حيث أنه يهدد القيم والثوابت، ويقوض أسس الاستقرار والتقدم. إن انحدار الأخلاق لا يصيب فردًا بعينه، بل يتغلغل في النسيج الاجتماعي بأسره، مؤديًا إلى تفكك الروابط الإنسانية، وزعزعة الثقة، وانتشار السلوكيات السلبية مثل الغش الكذب الأنانية والعنف. وقد ذكرنا سابقاً أننا بحاجة شديدة إلي إطلاق حملة وطنية شاملة لمواجهة فساد الأخلاق، تتضافر فيها كل الجهود من أعلى قمة الدولة إلى أبسط وحدة في المجتمع وهى الأسرة. فالحفاظ على القيم الأخلاقية لا يمكن أن يُعتمد فيه على فرد أو جهة واحدة، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب تكاتفًا بين جميع المؤسسات، من البيت إلى المدرسة والإعلام، المسجدو الجامعةو مؤسسات الدولة والقانون . تسعى هذه الحملة إلى إشراك الجميع فهو واجب وطني جماعي. ولا يمكن القضاء على الفساد الأخلاقي إلا من خلال تضافر الجهود، والالتزام طويل الأمد ببناء إنسان سوي يحمل القيم، ويحترم القانون، ويؤمن بضرورة العيش المشترك.
نقطة إنطلاق الحملة ستكون من خلال الأسرة ودورها في مواجهة الفساد الأخلاقي كمجتمع صغير ، فهي أول مدرسة يتعلم فيها الإنسان مبادئ الحياة، وهي حجر الأساس في بناء أي مجتمع سليم. لذا فإن أي حملة لمواجهة فساد الأخلاق لا بد أن تبدأ منها. التربية الأسرية التي تلعب الدور الأكبر في غرس القيم الأخلاقية لدى الأطفال، مثل الصدق، التدين و الاحترام و التسامح و وتحمل المسؤولية. فالأسرة هي حجر الأساس في بناء مجتمع سليم، لأنها هي أول بيئة يكتسب منها الفرد قيمه وسلوكياته.
لا بد أن تبدأ الأسرة هذه الحملة بأسلوب القدوة الحسنة لأن الطفل يتأثر بسلوك والديه أكثر من توجيههم، لذلك يجب على الأبوين الالتزام بالأخلاق في تعاملهم اليومي، سواء داخل المنزل أو خارجه. ولا بد من مراقبة ومتابعة سلوك الأبناء وتوجيههم بلطف إذا انحرفوا عن القيم الصحيحة، مع توعيتهم بمخاطر السلوكيات السلبية كالكذب أو الغش أو التنمر.
وهناك أمر تفتقده البيوت هذه الأونة ألا وهو الحوار والنقاش المفتوح ، فيجب أن نخلق بيئة آمنة داخل البيت للحوار مع الأبناء حول التحديات الأخلاقية التي قد يواجهونها في المدرسة أو الإنترنت أو المجتمع. ونوجههم إلي القدوات والنماذج الصالحة: من خلال تعريفهم بسير الشخصيات الأخلاقية الرفيعة في التاريخ أو الحاضر، وربطهم بمفاهيم الهوية والانتماء الإيجابي، وتنظيم استخدام التكنولوجيا فلا بد من منع أو تقنين تعرض الأطفال للمحتوى غير الأخلاقي على الإنترنت، وتعليمهم آداب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا بد من الاهتمام بالعلاقات داخل الأسرة فالعلاقة الصحية بين الزوجين واحترام كل منهما للآخر ينعكس على توازن الأطفال النفسي والأخلاقي. من خلال هذه الأدوار، تستطيع الأسرة أن تضع الأساس المتين لبناء جيل يتمتع بالأخلاق والاستقامة، قادر على رفض الفساد والوقوف في وجهه.
ولكي تكون الأسرة فعالة في هذا الدور، لا بد من دعمها وتوجيهها من خلال: توعية الأهل بدورهم التربوي عبر ورشات عمل ودورات تنمية ذاتية. وكذلك وضع مناهج تربوية للأبوة والأمومة تُدمج في المؤسسات الاجتماعية والعيادات النفسية.
وكذلك الدعم المادي والمعنوي للأسر الفقيرة لتوفير بيئة مستقرة تسمح بالتربية السليمة.
إنها دعوة لليقظة والوعي، ورسالة بأن بناء المستقبل لا يبدأ بالبنية التحتية فقط، بل ببناء الإنسان أولاً. فالبيت الذي لا يحضن الأخلاق، والمجتمع الذي لا يحميها، والدولة التي لا تطبقها، لا يمكن أن تحقق تقدمًا حقيقيًا، ولا كرامة لأفرادها ، فلنبدأ من بيتنا... ولنصعد إلى الوطن بأسره.
وللحديث بقية