٧٧ عامًا على التطهير العرقي لأكثر من ٧٥٠ ألف فلسطيني في إطار الجهود الصهيونية لإفساح المجال لكيان الاحتلال …بعد عقود، تواصل إسرائيل ارتكاب العنف والتطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، مُذكرةً إيانا بأن النكبة لم تنتهِ حقًا، بل تحوّلت لأكثر من ١٩ شهرًا ، إلي تجويع الفلسطينيين وقصفهم وقتلهم وتهجيرهم قسرًا، وحرمتهم بشكل ممنهج من حقهم في الوجود بكرامة.
نُشر كتاب "أصوات النكبة: تاريخ فلسطين الحي"، الذي حررته عالمة الأنثروبولوجيا ديانا آلان، بعد أكثر من سبعين عامًا على طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من وطنهم، ليقدم صورة جماعية نادرة وقوية لشعب أُسكِت تاريخه بشكل ممنهج.
توثق هذه المجموعة التاريخية الشفوية البارزة القصص الشخصية للآجئين الفلسطينيين من الجيل الأول، وخاصة في لبنان، ولا تقدم للقراء شهادات تاريخية فحسب، بل لقاءً حسيًا حيًا مع واقع المنفى المعاش.
بالاستناد إلى عقدين من العمل الذي قام به أرشيف النكبة - وهي مبادرة شارك في تأسيسها آلان ومجموعة أخري - يعرض الكتاب شهادات من لاجئين طُردوا خلال نكبة عام 1948، وهو حدث لا يزال يشكل الهوية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، من خلال الذكريات المسجلة لكبار السن، يُحيي الكتاب فلسطين التي كانت موجودة قبل محوها بالحرب والاستعمار: أرض القرى والمجتمعات النابضة بالحياة والتنوع الثقافي والعلاقات العميقة الجذور مع الأرض.
يتألف الكتاب من أربعة أجزاء: الحياة في فلسطين ما قبل عام ١٩٤٨، والمقاومة خلال الانتداب البريطاني، وعنف ١٩٤٧-١٩٤٨، والمنفى، ويمزج بين الشهادات الشفوية والتعليقات الأكاديمية.
يتيح هذا البناء المزدوج للقارئ استيعاب كل من البنية الشخصية للذاكرة والأهمية التاريخية الأوسع للأحداث المُروية، يعرض كل فصل مقتطفات من مقابلات، تليها تأملات نقدية من أكاديميين في مجالات تتراوح من الأنثروبولوجيا إلى التاريخ والدراسات الأدبية.
يكمن جوهر الكتاب في أصوات الفلسطينيين العاديين - رجالاً ونساءً، فلاحين وسكان مدن، مسلمين ومسيحيين - يتحدثون بنبرة حميمة وغير مكتوبة عن الفقد والبقاء والمقاومة والشوق.
يتذكر أحدهم كيف حاصرت الميليشيات الصهيونية القرويين وارتكبت مجازر؛ ويتذكر آخر البساتين والمدارس والروابط الاجتماعية التي كانت تسكن حياة القرية والتي انتهت بعنف.
الصدمة قاسية، ولكن كذلك الشعور الدائم بالكرامة والتعلق بفلسطين، أُجريت المقابلات غالبًا في منازل متواضعة في مخيمات اللاجئين، مما زاد من حدة التناقض بين الماضي والحاضر.
ما يميز هذا الكتاب عن الروايات التاريخية السابقة هو تركيزه على الشفوية والذاكرة المتجسدة، عمل المحررون والمترجمون بدقة للحفاظ على إيقاع ولهجة اللهجة العربية الفلسطينية، مما يسمح لهذه الروايات بالاحتفاظ بأصالتها العاطفية واللغوية.
وكما تشير "ديانا آلان" في مقدمتها، فإن هذه القصص أكثر من مجرد ذكريات، إنها أشكال من المقاومة ضد المحو التاريخي.
يحمل توقيت إصدار الكتاب أهمية بالغة، فمع تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية وسط تجدد الأزمات في غزة والضفة الغربية، يقدم كتاب "أصوات النكبة" شهادة عاجلة ترفض حصر معاناة الفلسطينيين في الماضي.
ويؤكد الكتاب أن النكبة ليست فصلًا منتهيًا، بل حالة مستمرة - هيكل من النزوح والإنكار والمقاومة لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا.
بالنسبة للصحفيين والمعلمين وصانعي السياسات، يُعد هذا الكتاب تصحيحًا نقديًا للتاريخ السائد الذي يغفل أو يُشوّه التجربة الفلسطينية، بالنسبة للفلسطينيين في المنفى، يُعدّ هذا الكتاب تكريمًا لنضالهم، وسجلًا للصمود، وذاكرةً للأجيال القادمة، وبالنسبة لجميع قراء الضمير، يُعدّ تذكيرًا مؤثرًا بأن العدالة تبدأ بالإنصات.
"أصوات النكبة" أكثر من مجرد مجموعة قصص للاجئين، إنه تاريخ حيّ ودعوة إلى المسؤولية الأخلاقية، في يوم النكبة، عندما يُحيي الفلسطينيون وحلفاؤهم ذكرى صدمة عام 1948، يقف هذا الكتاب شاهدًا على أن من لن ينسى لن يُنسى!!
وما زال النضال مُستمر .. وللقصة بقية..