فى الصميم
ما زالت أزمة الإيجار القديم تمثل واحدة من أعقد القضايا الاجتماعية والتشريعية فى مصر، حيث شهدت مناقشات مشروعى القانونين رقم 4 لسنة 1996 و49 لسنة 1977 (المعدل بالقانون 136 لسنة 1981)، والمطروحين أمام لجنة مشتركة من لجان الإسكان والتنمية المحلية والشؤون التشريعية بمجلس النواب، خلافات واسعة بين النواب والحكومة والأحزاب السياسية، والتى طالبت بإعادة النظر فى بنود القانونين لتحقيق التوازن بين المالك والمستأجر.
ورغم الإجماع على ضرورة رفع القيمة الإيجارية بما يتناسب مع الواقع الحالى، باعتباره حقًا أصيلًا للمالك بعد عقود من ثبات الإيجار عند أرقام زهيدة، إلا أن الخلاف يتركز حول بند الإخلاء، خاصة ما يتعلق بتحديد مدة خمس سنوات كحد أقصى لاستمرار العلاقة الإيجارية، دون تقديم الحكومة ضمانات أو بدائل واضحة للمستأجرين بعد انقضاء هذه المدة.
وفى هذا السياق، تبرز الحاجة إلى حلول واقعية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، وتتمثل أبرز هذه الحلول فى:
1- توفير السكن البديل للمستأجرين قبل تنفيذ قرار الإخلاء، على أن يُفتح سقف المدة بما يسمح بمرونة أكثر، على أن ينص القانون على أن الإخلاء يتم بعد إخطار المستأجر بتوفير وحدة بديلة بثلاثة أشهر.
2- حصر فعلى للوحدات السكنية المغلقة أو غير المستخدمة، وخاصة تلك التى يشغلها أشخاص غير مقيمين داخل البلاد أو لا يحتاجون إليها فعليًا، وهو دور يقع على عاتق الحكومة بالتنسيق مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، لضمان دقة البيانات وتوجيه الموارد بشكل عادل.
3- تفعيل دور المدن الجديدة، التى تضم آلاف الوحدات السكنية فى مختلف مستويات الإسكان (فاخر، متوسط، محدودى الدخل)، وطرحها للمستأجرين وفقًا لقدرتهم المادية، من خلال نظم تمويل ميسرة كالتقسيط أو التمويل العقارى.
4- تشكيل لجنة وزارية مختصة تضم ممثلين عن وزارات الإسكان والتنمية المحلية، ومجلس الوزراء، والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ووزارة العدل، تكون مهمتها الأساسية حصر الوحدات المتاحة، وتوفير البدائل، ومتابعة آليات الإخطار والإخلاء.
أما فيما يخص رفع القيمة الإيجارية وتحديد حد أدنى لها، فلا خلاف عليه بين مختلف الأطراف، باعتباره إحدى وسائل إعادة التوازن الاقتصادى فى العلاقة بين المالك والمستأجر، وحصول المالك على جزء من حقه المشروع.
تبقى كلمة: إن حل أزمة الإيجار القديم لا يجب أن يأتى على حساب أحد الطرفين، بل يجب أن يستند إلى رؤية متكاملة توازن بين الحقوق والواجبات، وتضمن انتقالًا عادلًا من وضع قانونى استمر لعقود إلى واقع يواكب تطورات المجتمع.
[email protected]