رؤية
لا شك أن الدولار محرك رئيسى فى زيادة أو انخفاض الأسعار فى مصر لأننا نستورد المنتجات ومكوناتها بالعملة الصعبة، وهذا كله يخضع لقوة الجنيه أمام الدولار.
خلال السنوات الماضية تشهد مصر تقلبات حادة ومتغيرة فى العلاقة بين الجنيه والدولار، هو ما أثر سلباً على أسعار كافة المنتجات المحلية والمستوردة بشكل واضح، وهناك سلع تضاعفت أسعارها مرات ومرات..
والآن تزداد الأمور تعقيداً بعد أن أعلنت الحكومة ربط أسعار الدواء بالدولار، وهذا يعنى تعويم الدواء، وهنا تكمن المشكلة لأنها لا تتعلق بالمأكل والمشرب بل امتدت إلى الدواء، وهنا تتضح الأزمة لأن ترك أسعار الدواء للدولار سيترك بصمة واضحة ويضاعف سعر الدواء ويصبح العلاج للقادرين فقط، لماذا..؟! لأن الدولار يحكم قبضته على الجنيه صاحب الاقتصاد الضعيف منذ تعويمه.
خضوع أسعار الدواء للدولار يعنى أن أصحاب الأمراض المزمنة لن يقدروا على شرائه نظراً لأننا فى مصر نعتمد فى تصنيع الدواء على استيراد المواد الخام بنسب تفوق الـ90٪، وهذا يعنى أننا أمام أزمة حقيقية فى تسعير الدواء مستقبلاً.
كما أن شركات تصنيع الدواء تسعى لتحقيق هامش ربح رغم التكاليف الكبيرة فى الإنتاج.. وكله على حساب المريض.
إن أسعار الدواء تضاعفت مرات ومرات، إلا أنها تنتظر زيادات أخرى بعد هذا القرار الذى يؤثر سلباً على عدم قدرة المرضى على شراء الأدوية بهذه الأسعار.
وهذا ما كشفت عنه بعض شركات الأدوية التى توقفت عن إنتاج بعض الأصناف لعدم قدرتها على توفير العملة الصعبة، مما زاد أعداد النواقص والبدائل فى الصيدليات.
ولا شك أن الوضع المالى الحالى لا يؤثر سلباً على القطاع الدوائى فقط، بل امتد ليلقى بظلاله على مستقبل صناعة الدواء فى مصر، وبات الاستثمار فى هذا القطاع أمراً صعباً باستثناء الشركات الكبرى محلياً، بل ويهدد تحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء.
ولنا أن نتخيل ما تشير إليه الإحصاءات عن أعداد مرضى السكر فى مصر التى وصلت إلى ما يقرب من 8 ملايين مريض حالياً، ومن المتوقع أن تصل إلى 72 مليوناً بحلول عام 2040، وهناك ما يقرب من 30 مليون مصرى مصابون بالضغط بالإضافة إلى 2 مليون مريض بالقلب.. وجميع هؤلاء ستصبح حياتهم على كف الدولار الذى سيتلاعب بمستقبلهم الصحى، لأنهم اليوم غير قادرين على شراء الأدوية التى ترتبط بصفة وثيقة ببقائهم على قيد الحياة، فما بالنا إذا زادت الأسعار بعد ربط تكلفة الإنتاج بعملة دائماً فى ارتفاع مستمر مقابل العملة المحلية.
أخيراً.. ارتفاع أسعار الدولار يمثل تحدياً كبيراً أمام صناعة الدواء، لكنها تعتبر فى نفس الوقت فرصة لإعادة التفكير فى سياسات التصنيع المحلى، وعلى الدولة أن تشجع البحث العلمى الذى بات ضرورة حتمية لتقليل الاعتماد على المكونات الخارجية التى تتطلب وفرة فى الدولار وهى أزمة حالياً تواجه المصنعين والشركات العاملة فى هذا المجال للنهوض بهذه الصناعة الحيوية..
فهل تنجح الحكومة فى تحويل الأزمة إلى فرصة لإنقاذ ملايين المرضى الذين لا غنى لهم عن العلاج؟.. إنا لمنتظرون!!