صكوكُ
المساجدُ أيامَ الرسولِ كانت تُستخدمُ لكلِّ شؤونِ الدنيا.. لماذا لا نستفيدُ منها اليومَ في تعليمِ النشءِ والمواطنين؟ بدلَ ما تشتغلُ بالكثيرِ في كلِّ صلاةٍ عشرَ أو خمسَ عشرةَ دقيقةً.. تلك كلماتُ الرئيسِ السيسيِّ، وهي من أنفعِ التصريحاتِ وأكثرِها ضياءً.. لذلك وجبَ شكرُ الرئيسِ السيسيِّ.. وقد تعودنا أن تتحولَ كلماتُ الرئيسِ إلى أفعالٍ، فهي بمثابةِ قراراتٍ أو أوامرَ رئاسيةً..
والآن ننتظرُ تحرُّكَ وزارةِ الأوقافِ وفتحَ المساجدِ للتعليمِ، وهي ليست بدعةً، فقد كانت المدارسُ في الماضي تُفتحُ كتاتيبَ، بل وهناك بعضُ مساجدِ الجمعيةِ الشرعيةِ تقومُ بالدروسِ الشرعيةِ وتحفيظِ القرآنِ الكريمِ للجنسينِ، علاوةً على الجامعِ الأزهرِ الذي ما زال يقدمُ العلومَ الشرعيةَ..
فكرةُ الرئيسِ مشروعٌ قوميٌ ضخمٌ يليقُ بمصرَ والتعليمِ، وهو إلزامُ كلِّ من يطالبُ ببناءِ مسجدٍ أو كنيسةٍ ببناءِ مدرسةٍ أو مستوصفٍ لعلاجِ الفقراءِ.
المسألةُ تحتاجُ إلى المزيدِ من القراراتِ والتشريعاتِ لبناءِ هذا المشروعِ.
لقد كان أهمَّ المشروعاتِ التي قامَ بها الرئيسُ جمالُ عبدِ الناصرِ افتتاحُ إذاعةِ القرآنِ الكريمِ، وظلَّت صرحًا دينيًّا حتى اليومِ ينتفعُ بها الناسُ..
ويأتي الرئيسُ السيسيُّ مكمِّلًا ما قامَ به عبدُ الناصرِ لتعليمِ الناسِ بتسخيرِ المساجدِ ليس للصلاةِ فقط، بل لتصبحَ مدارسَ تعلمُ الناسَ العلومَ الشرعيةَ والدنيويةَ.
والكتاتيبُ التي كانت في الماضي مؤسسةً تعليميةً تخرَّجَ في جنباتِها كثيرٌ من الأجيالِ الذين حفظوا القرآنَ الكريمَ، وتعلَّموا قواعدَ القراءةِ والكتابةِ، وتربوا على المبادئِ والأخلاقِ الحميدةِ، ثم أصبحوا بعدَ ذلك قادةً، ومنابرَ، وأصحابَ فكرٍ في المجتمعِ، يُشارُ إليهم بالبنانِ في قراءةِ القرآنِ بجميعِ رواياتِه، وفي مجالاتِ العلومِ المختلفةِ.
وتعودُ أصولُ الكتاتيبِ إلى أقدمِ العصورِ، فقد عُرِفَت في العصورِ الفرعونيةِ بـ"مدارسِ المعابدِ".
إذا ما رجعنا إلى تاريخِنا الإسلاميِّ، نجدُ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان المعلِّمَ الأوّلَ لأصحابِه، يحثُّهم على طلبِ العلمِ ويُقرِئُهم القرآنَ الكريمَ، ثمَّ كان يُقرِئُ بعضُهم بعضًا، ويحثُّ كلَّ واحدٍ منهم على تعلمِ القراءةِ والكتابةِ، بل إنَّه صلى الله عليه وسلم جعلَ التعليمَ مساويًا للحريةِ، حيث جعلَ فداءَ بعضِ أسرى بدرٍ ممَّن لا مالَ لهم أن يعلِّمَ الواحدُ منهم عشرةً من الغلمانِ الكتابةَ فيُخلى سبيلُه، فكان ممَّن تعلمَ منهم زيدُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه، وكانت هذه الحادثةُ نقطةَ نشوءِ الكتاتيبِ في التاريخِ الإسلاميِّ، وقد استمرَّ نظامُ تعليمِ القراءةِ والكتابةِ بأمرِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ثم الخلفاءِ من بعدِه، رُويَ عن عبدِ اللهِ بنِ سعيدِ بنِ العاصِ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمرَهُ أن يُعلِّمَ الناسَ الكتابةَ بالمدينةِ، وكان كاتبًا محسنًا.