فى الصميم
الأفكار الخلَّاقة لا تأتى من داخل الصندوق، بل من خارجه، وحين يتعلق الأمر بمعيشة المواطنين، فإن الابتكار فى السياسات الاقتصادية يصبح ضرورة، لا رفاهية.
قبل اتخاذ أى قرار يؤدى إلى زيادة الأعباء على المواطن البسيط، يجب أن تُطرح تساؤلات جادة: مَنْ يتحمل الكُلْفة؟ ومَنْ يستفيد فعلًا من الدعم؟
قرار الحكومة الأخير برفع أسعار الوقود بقيمة جنيهين، وزيادة سعر أسطوانة البوتاجاز 50 جنيهًا، سيؤدى بطبيعة الحال إلى موجة ارتفاع جديدة فى أسعار السلع والخدمات، نتيجة العلاقة المباشرة بين أسعار الوقود وتكلفة النقل، ومن ثم أسعار كل شيء آخر.
وهنا يبرز السؤال: لماذا لا نفكر بطريقة مختلفة؟ لماذا لا نُعيد هيكلة منظومة الدعم وفقًا لشرائح الدخل؟ فالدولة تمتلك اليوم بنية رقمية قادرة على تصنيف المواطنين بدقة، ومعرفة دخولهم ومستوى استحقاقهم للدعم.
لماذا لا نستغل هذه البيانات لإعداد كارت دعم موحد يضم التموين، والتضامن، والزراعة، والوقود، ويُصرف وفقًا لمستوى الدخل وعدد أفراد الأسرة ووسيلة التنقل؟ الكارت يمكن تمييزه بألوان محددة لكل فئة، لتسهيل تقديم الدعم لمن يستحقه، لا لمن يملكون السيارات الفارهة أو يتمتعون بمستوى معيشى مرتفع.
الأمر لا يتعلق فقط بالمصريين، بل يتسع ليشمل نحو 9 ملايين أجنبى يعيشون على الأراضى المصرية، أى ما يعادل 8.7% من إجمالى السكان، بحسب تقديرات رسمية.
هؤلاء يحصلون – دون أى تمييز – على الدعم ذاته، رغم أنهم لا يساهمون بنفس القدر فى الاقتصاد الوطنى. ووفقًا لما أعلنته الحكومة، فإن دعم الوقود وحده يُكلِّف الدولة 366 مليون جنيه يوميًا، أى نحو 11 مليار جنيه شهريًا، أى أن الأجانب يحصلون ضمنًا على دعم يُقدَّر بـ12 مليار جنيه سنويًا، فى وقت يعانى فيه المواطن البسيط من ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة.
الأرقام صادمة، والحلول موجودة، لكن ما ينقصنا هو الإرادة السياسية والتنفيذية لتطبيق تلك الحلول، ووضع حد للهدر المستمر. فبدلًا من أن تُصدر كل وزارة بطاقة دعم مستقلة، يمكن إصدار كارت موحد بعد دراسة شاملة ومتكاملة لكل مواطن، تُجرى مرة واحدة، وتُحدَّث دوريًا، لتقليل الإنفاق وتحقيق العدالة فى توزيع الموارد.
السؤال الذى نوجهه اليوم إلى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء: هل ستتخذون خطوة جادة بتحديد موعد زمنى لإنهاء ملف الدعم وضبط استحقاقه؟ وهل يتحرك مجلس النواب بدوره، لإصدار قانون واضح يُحدد آلية الدعم، ويضمن وصوله إلى الفقراء والبسطاء، لا إلى الأجانب أو غير المستحقين؟
إنها لحظة فاصلة تتطلب قرارًا شجاعًا: ارفعوا الدعم عن الأجانب.. ووجِّهوه لمن يستحقه.
([email protected])