رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

الآثار المصرية ليست مجرد حجارة صامدة على الأرض، بل هي نوافذ مفتوحة على تاريخ ضارب في عمق الزمن، وشواهد حية على حضارة عظيمة امتدت آلاف السنين، حضارة صنعتها أيد مصرية وأرواح لم تهدأ عن العطاء والابتكار. 

كلما وقفت أمام الأهرامات الشامخة في الجيزة، شعرت وكأنني أتنفس نفس الهواء الذي تنفسه تلك العصور، وكأن الفراعنة يتحدثون إلي عبر الأزمان عن عبقريتهم وإصرارهم على خلد إرثهم للأجيال القادمة. 

لم تبن هذه الأهرامات بالصدفة، بل هي نتاج عقلية علمية وفنية متقدمة، تجعلنا اليوم نتساءل عن قدرة الإنسان القديم على إنجاز مثل هذه الأعمال الضخمة دون أي من التكنولوجيا الحديثة التي نمتلكها الآن.

وعندما أزور معبد الكرنك، أرى عمق الرؤية الإنسانية للفراعنة، وكيف استطاعوا دمج الروحانية بالفن والعمارة، وخلقوا مكانا يعكس معتقداتهم الدينية وثقافتهم العميقة في الوقت نفسه. 

ومعبد أبو سمبل، بأمر الملك رمسيس الثاني، يذكرنا بأن الفخر بالإنجاز والقوة كان جزءا من الهوية المصرية القديمة، وأن الفن كان وسيلة للتعبير عن السلطة والخلود، بينما مقابر وادي الملوك تمنحنا فرصة نادرة للتعرف على تفاصيل الحياة والموت عند الفراعنة، من فن التحنيط إلى الدقة في رسم مشاهد الحياة الآخرة، ما يظهر رؤيتهم الشاملة للعالم والموت والخلود.

لقد تعلمت منذ صغري في مدرسة الوفد أن حب الوطن ليس مجرد شعارات تردد، بل شعور يعاش ويترجم في كل فعل وقرار، غرست المدرسة في قلبي إحساسا بالمسؤولية تجاه تراب الوطن، وعلمتني أن كل شبر من مصر غالي، وأن الحفاظ على تراثها هو واجب وطني وأخلاقي لا يقل أهمية عن الدفاع عن حاضرها ومستقبلها. 

كل حجر من آثار مصر علمني دروسا في الصبر والعمل، وعلمني أن إنجازاتنا لا تقاس بما نحققه اليوم فحسب، بل بما نتركه للأجيال القادمة، وهذا الشعور زرعه في التعليم منذ الصغر، فأصبحت أقدر كل شبر من أرض بلدي وأدرك قيمة الحفاظ على تراثها الذي يروي قصص الأجداد ويشكل هويتنا الحقيقية.

الآثار المصرية اليوم ليست مجرد متاحف أو سياحة، بل هي هويتنا الوطنية التي تزرع الفخر في النفوس، السياحة الثقافية التي تجذب ملايين الزوار سنويا ليست مجرد فرصة للاستمتاع بجمال المباني الحجرية، بل تجربة يعيشها الزائر ليشعر بعظمة مصر القديمة، وليدرك قيمتها الحضارية والفنية. 

كما أن هذه الآثار تمثل مصدرا لا يقدر بثمن للبحث العلمي، فهي تسمح للدارسين بفهم تطور الفنون والعلوم عند الفراعنة، وتقدم مادة حية لدراسة التاريخ بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والدينية.

جهود الحفاظ على التراث في مصر ليست رمزية، بل هي أعمال عملية تقوم بها وزارة السياحة والآثار من حفائر دقيقة للكشف عن مواقع جديدة، وترميم المعابد والمقابر المتضررة، وتطوير المتاحف لعرض القطع الأثرية بطريقة تحترم قيمتها التاريخية وتساعد الزائر على فهم أهميتها.

 ومن هذا المنطلق، جاء الاحتفال السنوي بيوم التراث العالمي في 18 أبريل، الذي أقرته اليونسكو عام 1983، ليكون تذكيرا بأهمية حماية التراث الثقافي للبشرية، ولتأكيد دور كل دولة في المحافظة على إرثها الحضاري. وفي مصر، يتضمن هذا اليوم فعاليات متنوعة، من معارض أثرية إلى ورش عمل وأنشطة توعوية تبرز جمال حضارتنا وعمقها.

بالنسبة لي، الآثار المصرية ليست مجرد ماض بعيد، بل هي مرآة تعكس حاضرنا، وتعلمنا كيف يمكن أن نصنع مجدنا الخاص، كل رحلة إلى الأهرامات، كل زيارة لمعبد أو وادي ملكي، تجعلني أشعر بمسؤولية تجاه حماية هذه الكنوز. إنها درس في حب الوطن، درس في الصبر والعمل والإبداع، ودرس في أن ما نبنيه اليوم سيكون إرثا للأجيال القادمة. 

كمواطن مصري، أشعر بالفخر والاعتزاز بأنني جزء من هذه الحضارة، وبأن مهمتي ليست التمتع بالماضي فقط، بل الدفاع عنه، وحمايته، ونقله بكل فخر لأبنائنا وأحفادنا.

الآثار المصرية إذن أكثر من مبان قديمة؛ إنها نبض التاريخ المصري، وشاهد على عبقرية الإنسان المصري، ورسالة لكل من يزور أرضنا بأن هذا الوطن يستحق الحب والاعتزاز والحماية مهما مر الزمن. 

الاهتمام بالآثار ليس خيارا، بل واجب وطني وأخلاقي، لأن الحفاظ عليها يعني الحفاظ على هويتنا، وفخرنا، ومستقبل أجيالنا القادمة، التراث المصري، بكل صوره القديمة والمعاصرة، هو هويتنا وحضارتنا الخالدة، وقصته تروى لكل العالم، وعلينا أن نحرص على أن تظل حية ومتجددة، تنقل روح مصر العريقة وحب الوطن الذي تعلمناه منذ الصغر في مدرسة الوفد، من تراب الأرض إلى حضارة الإنسانية.